فصل: مَاءُ النَّصْرَانِيِّ وَالْوُضُوءُ مِنْهُ

مساءً 11 :24
/ﻪـ 
1446
جمادى الاخرة
29
الإثنين
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الأم ***


بسم الله الرحمن الرحيم

الأُم

كِتَابُ الطَّهَارَةِ

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى قَالَ‏:‏ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ‏}‏ الآيَةَ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَكَانَ بَيِّنًا عِنْدَ مَنْ خُوطِبَ بِالآيَةِ أَنَّ غَسْلَهُمْ إنَّمَا كَانَ بِالْمَاءِ ثُمَّ أَبَانَ فِي هَذِهِ الآيَةِ أَنَّ الْغُسْلَ بِالْمَاءِ وَكَانَ مَعْقُولاً عِنْدَ مَنْ خُوطِبَ بِالآيَةِ أَنَّ الْمَاءَ مَا خَلَقَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مِمَّا لاَ صَنْعَةَ فِيهِ لِلْآدَمِيِّينَ وَذِكْرُ الْمَاءِ عَامًّا فَكَانَ مَاءُ السَّمَاءِ وَمَاءُ الْأَنْهَارِ وَالْآبَارِ وَالْقُلَّاتِ وَالْبِحَارِ الْعَذْبُ مِنْ جَمِيعِهِ وَالْأُجَاجُ سَوَاءً فِي أَنَّهُ يُطَهِّرُ مَنْ تَوَضَّأَ وَاغْتَسَلَ مِنْهُ، وَظَاهِرُ الْقُرْآنِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَاءٍ طَاهِرٌ مَاءُ بَحْرٍ وَغَيْرِهِ وَقَدْ رُوِيَ فِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثٌ يُوَافِقُ ظَاهِرَ الْقُرْآنِ فِي إسْنَادِهِ مَنْ لاَ أَعْرِفُهُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ سَلَمَةَ رَجُلٌ مِنْ آلِ ابْنِ الْأَزْرَقِ أَنَّ الْمُغِيرَةَ بْنَ أَبِي بُرْدَةَ وَهُوَ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ خَبَّرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه يَقُولُ‏:‏ سَأَلَ رَجُلٌ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا نَرْكَبُ الْبَحْرَ وَمَعَنَا الْقَلِيلُ مِنْ الْمَاءِ فَإِنْ تَوَضَّأْنَا بِهِ عَطِشْنَا أَفَنَتَوَضَّأُ بِمَاءِ الْبَحْرِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ»‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ ثَوْبَانَ عَنْ أَبِي هِنْدٍ الْفِرَاسِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ «مَنْ لَمْ يُطَهِّرْهُ الْبَحْرُ فَلاَ طَهَّرَهُ اللَّهُ»‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَكُلُّ الْمَاءِ طَهُورٌ مَا لَمْ تُخَالِطْهُ نَجَاسَةٌ وَلاَ طَهُورَ إلَّا فِيهِ أَوْ فِي الصَّعِيدِ، وَسَوَاءٌ كُلُّ مَاءٍ مِنْ بَرَدٍ أَوْ ثَلْجٍ أُذِيبَ وَمَاءٍ مُسَخَّنٍ وَغَيْرِ مُسَخَّنٍ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ لَهُ طَهَارَةُ النَّارِ وَالنَّارُ لاَ تُنَجِّسُ الْمَاءَ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه كَانَ يُسَخَّنُ لَهُ الْمَاءُ فَيَغْتَسِلُ بِهِ وَيَتَوَضَّأُ بِهِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلاَ أَكْرَهُ الْمَاءَ الْمُشَمَّسَ إلَّا مِنْ جِهَةِ الطِّبِّ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ صَدَقَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عُمَرَ كَانَ يَكْرَهُ الِاغْتِسَالَ بِالْمَاءِ الْمُشَمَّسِ وَقَالَ‏:‏ إنَّهُ يُورِثُ الْبَرَصَ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ الْمَاءُ عَلَى الطَّهَارَةِ وَلاَ يُنَجَّسُ إلَّا بِنَجَسٍ خَالَطَهُ وَالشَّمْسُ وَالنَّارُ لَيْسَا بِنَجَسٍ إنَّمَا النَّجِسُ الْمُحَرَّمُ، فَأَمَّا مَا اعْتَصَرَهُ الْآدَمِيُّونَ مِنْ مَاءِ شَجَرِ أَوْ وَرْدٍ أَوْ غَيْرِهِ فَلاَ يَكُونُ طَهُورًا وَكَذَلِكَ مَاءُ أَجْسَادِ ذَوَاتِ الْأَرْوَاحِ لاَ يَكُونُ طَهُورًا؛ لِأَنَّهُ لاَ يَقَعُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ هَذَا اسْمُ مَاءٍ إنَّمَا يُقَالُ لَهُ‏:‏ مَاءٌ بِمَعْنَى مَاءِ وَرْدٍ وَمَاءِ شَجَرِ كَذَا وَمَاءِ مَفْصِلِ كَذَا وَجَسَدِ كَذَا وَكَذَلِكَ لَوْ نَحَرَ جَزُورًا وَأَخَذَ كِرْشَهَا فَاعْتَصَرَ مِنْهُ مَاءً لَمْ يَكُنْ طَهُورًا؛ لِأَنَّ هَذَا لاَ يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الْمَاءِ إلَّا بِالْإِضَافَةِ إلَى شَيْءٍ غَيْرِهِ يُقَالُ مَاءُ كِرْشٍ وَمَاءُ مَفْصِلٍ كَمَا يُقَالُ مَاءُ وَرْدٍ وَمَاءُ شَجَرِ كَذَا وَكَذَا فَلاَ يَجْزِي أَنْ يَتَوَضَّأَ بِشَيْءٍ مِنْ هَذَا‏.‏

الْمَاءُ الَّذِي يَنْجُسُ وَاَلَّذِي لاَ يَنْجُسُ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله‏:‏ الْمَاءُ مَاءَانِ‏:‏ مَاءٌ جَارٍ وَمَاءٌ رَاكِدٌ، فَأَمَّا الْمَاءُ الْجَارِي فَإِذَا وَقَعَ فِيهِ مُحَرَّمٌ مِنْ مَيْتَةٍ أَوْ دَمٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ فِيهِ نَاحِيَةٌ يَقِفُ فِيهَا الْمَاءُ فَتِلْكَ النَّاحِيَةُ مِنْهُ خَاصَّةً مَاءٌ رَاكِدٌ يَنْجُسُ إنْ كَانَ مَوْضِعُهُ الَّذِي فِيهِ الْمَيْتَةُ مِنْهُ أَقَلَّ مِنْ خَمْسِ قِرَبٍ نَجُسَ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسِ قِرَبٍ لَمْ يَنْجُسْ إلَّا أَنْ يَتَغَيَّرَ طَعْمُهُ أَوْ لَوْنُهُ أَوْ رِيحُهُ، فَإِنْ كَانَ جَارِيًا لاَ يَقِفُ مِنْهُ شَيْءٌ فَإِذَا مَرَّتْ الْجِيفَةُ أَوْ مَا خَالَطَهُ فِي الْجَارِي تَوَضَّأَ بِمَا يَتْبَعُ مَوْضِعَ الْجِيفَةِ مِنْ الْمَاءِ؛ لِأَنَّ مَا يَتْبَعُ مَوْضِعَهَا مِنْ الْمَاءِ غَيْرُ مَوْضِعِهَا مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُخَالِطْهُ نَجَاسَةٌ، وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ الْجَارِي قَلِيلاً فِيهِ جِيفَةٌ فَتَوَضَّأَ رَجُلٌ مِمَّا حَوْلَ الْجِيفَةِ لَمْ يُجْزِهِ إذَا مَا كَانَ حَوْلَهَا أَقَلُّ مِنْ خَمْسِ قِرَبٍ كَالْمَاءِ الرَّاكِدِ، وَيَتَوَضَّأُ بِمَا بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ مَعْقُولاً فِي الْمَاءِ الْجَارِي أَنَّ كُلَّ مَا مَضَى مِنْهُ غَيْرُ مَا حَدَثَ، وَأَنَّهُ لَيْسَ وَاحِدًا يَخْتَلِطُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ فَإِذَا كَانَ الْمُحَرَّمُ فِي مَوْضِعٍ مِنْهُ يَحْتَمِلُ النَّجَاسَةَ نَجُسَ، وَلَوْلاَ مَا وَصَفْت وَكَانَ الْمَاءُ الْجَارِي قَلِيلاً فَخَالَطَتْ النَّجَاسَةُ مِنْهُ مَوْضِعًا فَجَرَى، نَجُسَ الْبَاقِي مِنْهُ إذَا كَانَا إذَا اجْتَمَعَا مَعًا يَحْمِلاَنِ النَّجَاسَةَ، وَلَكِنَّهُ كَمَا وَصَفْت كُلُّ شَيْءٍ جَاءَ مِنْهُ غَيْرُ مَا مَضَى، وَغَيْرُ مُخْتَلَطٍ بِمَا مَضَى وَالْمَاءُ الرَّاكِدُ فِي هَذَا مُخَالِفٌ لَهُ؛ لِأَنَّهُ مُخْتَلِطٌ كُلُّهُ فَيَقِفُ فَيَصِيرُ مَا حَدَثَ فِيهِ مُخْتَلِطًا بِمَا كَانَ قَبْلَهُ لاَ يَنْفَصِلُ فَيَجْرِي بَعْضُهُ قَبْلَ بَعْضٍ كَمَا يَنْفَصِلُ الْجَارِي‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِذَا كَانَ الْمَاءُ الْجَارِي قَلِيلاً أَوْ كَثِيرًا فَخَالَطَتْهُ نَجَاسَةٌ فَغَيَّرَتْ رِيحَهُ أَوْ طَعْمَهُ أَوْ لَوْنَهُ كَانَ نَجِسًا، وَإِنْ مَرَّتْ جَرْيَتُهُ بِشَيْءٍ مُتَغَيِّرٍ بِحَرَامٍ خَالَطَهُ فَتَغَيَّرَتْ ثُمَّ مَرَّتْ بِهِ جَرْيَةٌ أُخْرَى غَيْرُ مُتَغَيِّرَةٍ فَالْجَرْيَةُ الَّتِي غَيْرُ مُتَغَيِّرَةٍ طَاهِرَةٌ، وَالْمُتَغَيِّرَةُ نَجِسَةٌ‏.‏

قال‏:‏ وَإِذَا كَانَ فِي الْمَاءِ الْجَارِي مَوْضِعٌ مُنْخَفِضٌ فَرَكَدَ فِيهِ الْمَاءُ، وَكَانَ زَائِلاً عَنْ سَنَنِ جَرْيَتِهِ بِالْمَاءِ يَسْتَنْقِعُ فِيهِ فَكَانَ يَحْمِلُ النَّجَاسَةَ فَخَالَطَهُ حَرَامٌ نَجُسَ؛ لِأَنَّهُ رَاكِدٌ وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الْجَارِي يَدْخُلُهُ إذَا كَانَ يَدْخُلُهُ مِنْهُ مَا لاَ يُكْثِرُهُ حَتَّى يَصِيرَ كُلُّهُ خَمْسَ قِرَبٍ، وَلاَ يَجْرِي بِهِ وَإِنْ كَانَ فِي سَنَنِ الْمَاءِ الْجَارِي مَوْضِعٌ مُنْخَفِضٌ فَوَقَعَ فِيهِ مُحَرَّمٌ، وَكَانَ الْمَاءُ يَجْرِي بِهِ فَهُوَ جَارٍ كُلُّهُ لاَ يَنْجُسُ إلَّا بِمَا يَنْجُسُ بِهِ الْجَارِي وَإِذَا صَارَ الْمَاءُ الْجَارِي إلَى مَوْضِعٍ يَرْكُدُ فِيهِ الْمَاءُ فَهُوَ مَاءٌ رَاكِدٌ يُنَجِّسُهُ مَا يُنَجِّسُ الْمَاءَ الرَّاكِدَ‏.‏

الْمَاءُ الرَّاكِدُ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَالْمَاءُ الرَّاكِدُ مَاءَانِ مَاءٌ لاَ يَنْجُسُ بِشَيْءٍ خَالَطَهُ مِنْ الْمُحَرَّمِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَوْنُهُ فِيهِ أَوْ رِيحُهُ أَوْ طَعْمُهُ قَاتِمًا وَإِذَا كَانَ شَيْءٌ مِنْ الْمُحَرَّمِ فِيهِ مَوْجُودًا بِأَحَدِ مَا وَصَفْنَا تَنَجَّسَ كُلُّهُ قَلَّ أَوْ كَثُرَ‏.‏

قال‏:‏ وَسَوَاءٌ إذَا وُجِدَ الْمُحَرَّمُ فِي الْمَاءِ جَارِيًا كَانَ أَوْ رَاكِدًا‏.‏

قال‏:‏ وَمَاءٌ يَنْجُسُ بِكُلِّ شَيْءٍ خَالَطَهُ مِنْ الْمُحَرَّمِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا فِيهِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ مَا الْحُجَّةُ فِي فَرْقٍ بَيْنَ مَا يَنْجُسُ وَمَا لاَ يَنْجُسُ، وَلَمْ يَتَغَيَّرْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا قِيلَ‏:‏ السُّنَّةُ أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ أَنْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ «إذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ نَجَسًا أَوْ خَبَثَا»‏.‏

أَخْبَرَنَا مُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ بِإِسْنَادٍ لاَ يَحْضُرُنِي ذِكْرُهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ «إذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ نَجَسًا»‏.‏

وَقَالَ فِي الْحَدِيثِ‏:‏ بِقِلاَلِ هَجَرَ، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ‏:‏ وَرَأَيْت قِلاَلَ هَجَرَ فَالْقُلَّةُ تَسَعُ قِرْبَتَيْنِ أَوْ قِرْبَتَيْنِ وَشَيْئًا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ كَانَ مُسْلِمٌ يَذْهَبُ إلَى أَنَّ ذَلِكَ أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ الْقِرْبَةِ أَوْ نِصْفِ الْقِرْبَةِ فَيَقُولُ‏:‏ خَمْسُ قِرَبٍ هُوَ أَكْثَرُ مَا يَسَعُ قُلَّتَيْنِ، وَقَدْ تَكُونُ الْقُلَّتَانِ أَقَلَّ مِنْ خَمْسِ قِرَبٍ، وَفِي قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله تعالى عليه وسلم‏:‏ «إذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ نَجَسًا» دَلاَلَةٌ عَلَى أَنَّ مَا دُونَ الْقُلَّتَيْنِ مِنْ الْمَاءِ يَحْمِلُ النَّجَسَ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَالِاحْتِيَاطُ أَنْ تَكُونَ الْقُلَّةُ قِرْبَتَيْنِ وَنِصْفًا، فَإِذَا كَانَ الْمَاءُ خَمْسَ قِرَبٍ لَمْ يَحْمِلْ نَجَسًا فِي جَرَيَانٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَقِرَبُ الْحِجَازِ كِبَارٌ فَلاَ يَكُونُ الْمَاءُ الَّذِي لاَ يَحْمِلُ النَّجَاسَةَ إلَّا بِقِرَبٍ كِبَارٍ، وَإِذَا كَانَ الْمَاءُ أَقَلَّ مِنْ خَمْسِ قِرَبٍ فَخَالَطَتْهُ مَيْتَةٌ نَجُسَ، وَنَجُسَ كُلُّ وِعَاءٍ كَانَ فِيهِ فَأُهْرِيقَ، وَلَمْ يَطْهُرْ الْوِعَاءُ إلَّا بِأَنْ يُغْسَلَ، وَإِذَا كَانَ الْمَاءُ أَقَلَّ مِنْ خَمْسِ قِرَبٍ فَخَالَطَتْهُ نَجَاسَةٌ لَيْسَتْ بِقَائِمَةٍ فِيهِ نَجَّسَتْهُ، فَإِنْ صُبَّ عَلَيْهِ مَاءٌ حَتَّى يَصِيرَ هُوَ بِاَلَّذِي صُبَّ عَلَيْهِ خَمْسَ قِرَبٍ فَأَكْثَرَ طَهُرَ، وَكَذَلِكَ لَوْ صَبَّ هُوَ عَلَى الْمَاءِ أَقَلَّ وَأَكْثَرَ مِنْهُ حَتَّى يَصِيرَ الْمَاءَانِ مَعًا أَكْثَرَ مِنْ خَمْسِ قِرَبٍ لَمْ يُنَجِّسْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ، وَإِذَا صَارَا خَمْسَ قِرَبٍ فَطَهُرَا ثُمَّ فُرِّقَا لَمْ يَنْجُسَا بَعْدَ مَا طَهُرَا إلَّا بِنَجَاسَةٍ تَحْدُثُ فِيهِمَا‏.‏

وَإِذَا وَقَعَتْ الْمَيْتَةُ فِي بِئْرٍ أَوْ غَيْرِهَا فَأُخْرِجَتْ فِي دَلْوٍ أَوْ غَيْرِهِ طُرِحَتْ وَأُرِيقَ الْمَاءُ الَّذِي مَعَهَا؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ مِنْ خَمْسِ قِرَبٍ مُنْفَرِدًا مِنْ مَاءِ غَيْرِهِ، وَأَحَبُّ إلَيَّ لَوْ غُسِلَ الدَّلْوُ فَإِنْ لَمْ يُغْسَلْ وَرُدَّ فِي الْمَاءِ الْكَثِيرِ، طَهَّرَهُ الْمَاءُ الْكَثِيرُ، وَلَمْ يُنَجِّسْ هُوَ الْمَاءَ الْكَثِيرَ‏.‏

قال‏:‏ وَالْمُحَرَّمُ كُلُّهُ سَوَاءٌ إذَا وَقَعَ فِي أَقَلَّ مِنْ خَمْسِ قِرَبٍ نَجَّسَهُ‏.‏

وَلَوْ وَقَعَ حُوتٌ مَيِّتٌ فِي مَاءٍ قَلِيلٍ أَوْ جَرَادَةٌ مَيِّتَةٌ لَمْ يَنْجُسْ؛ لِأَنَّهُمَا حَلاَلٌ مَيِّتَتَيْنِ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا كَانَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَرْوَاحِ مِمَّا يَعِيشُ فِي الْمَاءِ، وَمِمَّا لاَ يَعِيشُ فِي الْمَاءِ مِنْ ذَوَاتِ الْأَرْوَاحِ إذَا وَقَعَ فِي الْمَاءِ الَّذِي يَنْجُسُ مَيِّتًا نَجَّسَهُ إذَا كَانَ مِمَّا لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ، فَأَمَّا مَا كَانَ مِمَّا لاَ نَفْسَ لَهُ سَائِلَةٌ، مِثْلُ الذُّبَابِ، وَالْخَنَافِسِ وَمَا أَشْبَهَهُمَا فَفِيهِ قَوْلاَنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ مَا مَاتَ مِنْ هَذَا فِي مَاءٍ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ لَمْ يُنَجِّسْهُ وَمَنْ قَالَ هَذَا قَالَ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ هَذِهِ مَيْتَةٌ فَكَيْفَ زَعَمْت أَنَّهَا لاَ تَنْجُسُ‏؟‏ قِيلَ لاَ تُغَيِّرُ الْمَاءَ بِحَالٍ، وَلاَ نَفْسَ لَهَا فَإِنْ قَالَ‏:‏ فَهَلْ مِنْ دَلاَلَةٍ عَلَى مَا وَصَفْت‏؟‏ قِيلَ‏:‏ نَعَمْ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِالذُّبَابِ يَقَعُ فِي الْمَاءِ أَنْ يُغْمَسَ فِيهِ، وَكَذَلِكَ أَمَرَ بِهِ فِي الطَّعَامِ وَقَدْ يَمُوتُ بِالْغَمْسِ، وَهُوَ لاَ يَأْمُرُ بِغَمْسِهِ فِي الْمَاءِ وَالطَّعَامِ وَهُوَ يُنَجِّسُهُ لَوْ مَاتَ فِيهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عَمْدُ إفْسَادِهِمَا، وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّهُ إذَا مَاتَ فِيمَا يَنْجُسُ نَجُسَ؛ لِأَنَّهُ مُحَرَّمٌ، وَقَدْ يَأْمُرُ بِغَمْسِهِ لِلدَّاءِ الَّذِي فِيهِ وَالْأَغْلَبُ أَنَّهُ لاَ يَمُوتُ، وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنَّ كُلَّ مَا كَانَ حَرَامًا أَنْ يُؤْكَلَ فَوَقَعَ فِي مَاءٍ فَلَمْ يَمُتْ حَتَّى أُخْرِجَ مِنْهُ لَمْ يُنَجِّسْهُ وَإِنْ مَاتَ فِيهِ نَجَّسَهُ، وَذَلِكَ مِثْلُ الْخُنْفُسَاءِ وَالْجُعَلِ وَالذُّبَابِ وَالْبُرْغُوثِ، وَالْقَمْلَةِ وَمَا كَانَ فِي هَذَا الْمَعْنَى‏.‏

قَالَ وَذُرَقُ الطَّيْرِ كُلِّهِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَمَا لاَ يُؤْكَلُ لَحْمُهُ إذَا خَالَطَ الْمَاءَ نَجَّسَهُ؛ لِأَنَّهُ يَرْطُبُ بِرُطُوبَةِ الْمَاءِ‏.‏

قَالَ الرَّبِيعُ وَعَرَقُ النَّصْرَانِيَّةِ وَالْجُنُبِ، وَالْحَائِضِ طَاهِرٌ، وَكَذَلِكَ الْمَجُوسِيِّ وَعَرَقُ كُلِّ دَابَّةٍ طَاهِرٌ وَسُؤْرُ الدَّوَابِّ وَالسِّبَاعِ كُلِّهَا طَاهِرٌ إلَّا الْكَلْبَ، وَالْخِنْزِيرَ‏.‏

قَالَ الرَّبِيعُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَإِذَا وَضَعَ الْمَرْءُ مَاءً فَاسْتَنَّ بِسِوَاكٍ وَغَمَسَ السِّوَاكَ فِي الْمَاءِ ثُمَّ أَخْرَجَهُ تَوَضَّأَ بِذَلِكَ الْمَاءِ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا فِي السِّوَاكِ رِيقُهُ، وَهُوَ لَوْ بَصَقَ أَوْ تَنَخَّمَ أَوْ امْتَخَطَ فِي مَاءٍ لَمْ يُنَجِّسْهُ وَالدَّابَّةُ نَفْسُهَا تَشْرَبُ فِي الْمَاءِ، وَقَدْ يَخْتَلِطُ بِهِ لُعَابُهَا فَلاَ يُنَجِّسُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ كَلْبًا أَوْ خِنْزِيرًا‏.‏

قَالَ وَكَذَلِكَ لَوْ عَرِقَ فَقَطَرَ عَرَقُهُ فِي الْمَاءِ لَمْ يَنْجُسْ؛ لِأَنَّ عَرَقَ الْإِنْسَانِ وَالدَّابَّةِ لَيْسَ بِنَجَسٍ وَسَوَاءٌ مِنْ أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ الْعَرَقُ مِنْ تَحْتِ مَنْكِبِهِ أَوْ غَيْرِهِ‏.‏

وَإِذَا كَانَ الْحَرَامُ مَوْجُودًا فِي الْمَاءِ وَإِنْ كَثُرَ الْمَاءُ لَمْ يَطْهُرْ أَبَدًا بِشَيْءٍ يُنْزَحُ مِنْهُ، وَإِنْ كَثُرَ حَتَّى يَصِيرَ الْحَرَامُ مِنْهُ عَدَمًا لاَ يُوجَدُ مِنْهُ فِيهِ شَيْءٌ قَائِمٌ فَإِذَا صَارَ الْحَرَامُ فِيهِ عَدَمًا طَهُرَ الْمَاءُ وَذَلِكَ أَنْ يَصُبَّ عَلَيْهِ مَاءً غَيْرَهُ أَوْ يَكُونَ مَعِينًا فَتَنْبُعُ الْعَيْنُ فِيهِ فَيَكْثُرُ، وَلاَ يُوجَدُ الْمُحَرَّمُ فِيهِ فَإِذَا كَانَ هَكَذَا طَهُرَ وَإِنْ لَمْ يُنْزَحْ مِنْهُ شَيْءٌ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَإِذَا نَجُسَ الْإِنَاءُ فِيهِ الْمَاءُ الْقَلِيلُ أَوْ الْأَرْضُ أَوْ الْبِئْرُ ذَاتُ الْبِنَاءِ فِيهَا الْمَاءُ الْكَثِيرُ بِحَرَامٍ يُخَالِطُهُ فَكَانَ مَوْجُودًا فِيهِ ثُمَّ صَبَّ عَلَيْهِ مَاءً غَيْرَهُ حَتَّى يَصِيرَ الْحَرَامُ غَيْرَ مَوْجُودٍ فِيهِ وَكَانَ الْمَاءُ قَلِيلاً فَنَجُسَ فَصَبَّ عَلَيْهِ مَاءً غَيْرَهُ حَتَّى صَارَ مَاءً لاَ يَنْجُسُ مِثْلُهُ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ حَرَامٌ فَالْمَاءُ طَاهِرٌ، وَالْإِنَاءُ، وَالْأَرْضُ الَّتِي الْمَاءُ فِيهِمَا طَاهِرَانِ؛ لِأَنَّهُمَا إنَّمَا نَجُسَا بِنَجَاسَةِ الْمَاءِ، فَإِذَا صَارَ حُكْمُ الْمَاءِ إلَى أَنْ يَكُونَ طَاهِرًا كَانَ كَذَلِكَ حُكْمُ مَا مَسَّهُ الْمَاءُ وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُحَوَّلَ حُكْمُ الْمَاءِ، وَلاَ يُحَوَّلُ حُكْمُهُ وَإِنَّمَا هُوَ تَبَعٌ لِلْمَاءِ يَطْهُرُ بِطَهَارَتِهِ، وَيَنْجُسُ بِنَجَاسَتِهِ‏.‏

وَإِذَا كَانَ الْمَاءُ قَلِيلاً فِي إنَاءٍ فَخَالَطَتْهُ نَجَاسَةٌ أُرِيقَ وَغُسِلَ الْإِنَاءُ، وَأَحَبُّ إلَيَّ لَوْ غُسِلَ ثَلاَثًا، فَإِنْ غُسِلَ وَاحِدَةً تَأْتِي عَلَيْهِ طَهُرَ، وَهَذَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَالَطَهُ إلَّا أَنْ يَشْرَبَ فِيهِ كَلْبٌ أَوْ خِنْزِيرٌ فَلاَ يَطْهُرُ إلَّا بِأَنْ يُغْسَلَ سَبْعَ مَرَّاتٍ، وَإِذَا غَسَلَهُنَّ سَبْعًا جَعَلَ أُولاَهُنَّ أَوْ أُخْرَاهُنَّ تُرَابًا لاَ يَطْهُرُ إلَّا بِذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ فِي بَحْرٍ لاَ يَجِدُ فِيهِ تُرَابًا فَغَسَلَهُ بِمَا يَقُومُ مَقَامَ تُرَابٍ فِي التَّنْظِيفِ مِنْ أُشْنَانٍ أَوْ نُخَالَةٍ أَوْ مَا أَشْبَهَهُ فَفِيهِ قَوْلاَنِ‏:‏ أَحَدُهُمَا لاَ يَطْهُرُ إلَّا بِأَنْ يُمَاسَّهُ التُّرَابَ وَالْآخَرُ يَطْهُرُ بِمَا يَكُونُ خَلَفًا مِنْ التُّرَابِ وَأَنْظَفَ مِنْهُ مِمَّا وَصَفْت كَمَا تَقُولُ فِي الِاسْتِنْجَاءِ‏.‏

وَإِذَا نَجَّسَ الْكَلْبُ أَوْ الْخِنْزِيرُ بِشُرْبِهِمَا نَجَّسَا مَا مَاسَّا بِهِ الْمَاءَ مِنْ أَبْدَانِهِمَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمَا نَجَاسَةٌ، وَكُلُّ مَا لَمْ يَنْجُسْ بِشُرْبِهِ فَإِذَا أَدْخَلَ فِي الْمَاءِ يَدًا أَوْ رِجْلاً أَوْ شَيْئًا مِنْ بَدَنِهِ لَمْ يُنَجِّسْهُ إلَّا بِأَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ قَذَرٌ فَيُنَجِّسُ الْقَذَرُ الْمَاءَ لاَ جَسَدُهُ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ فَكَيْفَ جَعَلْت الْكَلْبَ وَالْخِنْزِيرَ إذَا شَرِبَا فِي إنَاءٍ لَمْ يُطَهِّرْهُ إلَّا سَبْعُ مَرَّاتٍ وَجَعَلْت الْمَيْتَةَ إذَا وَقَعَتْ فِيهِ أَوْ الدَّمَ طَهَّرَتْهُ مَرَّةٌ إذَا لَمْ يَكُنْ لِوَاحِدٍ مِنْ هَؤُلاَءِ أَثَرٌ فِي الْإِنَاءِ‏؟‏ قِيلَ لَهُ اتِّبَاعًا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ «إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ» أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ «إذَا شَرِبَ الْكَلْبُ فِي إنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ» أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ أَبِي تَمِيمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ «إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ أُولاَهُنَّ أَوْ أُخْرَاهُنَّ بِتُرَابٍ»‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَقُلْنَا فِي الْكَلْبِ بِمَا أَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله تعالى عليه وسلم وَكَانَ الْخِنْزِيرُ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي شَرٍّ مِنْ حَالِهِ لَمْ يَكُنْ فِي خَيْرٍ مِنْهَا فَقُلْنَا بِهِ قِيَاسًا عَلَيْهِ، وَقُلْنَا فِي النَّجَاسَةِ سِوَاهُمَا بِمَا أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ أَنَّهُ سَمِعَ امْرَأَتَهُ فَاطِمَةَ بِنْتَ الْمُنْذِرِ تَقُولُ سَمِعْت جَدَّتِي أَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ تَقُولُ سَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ دَمِ الْحَيْضِ يُصِيبُ الثَّوْبَ فَقَالَ‏:‏ «حُتِّيهِ ثُمَّ اُقْرُصِيهِ ثُمَّ رُشِّيهِ وَصَلِّي فِيهِ» أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ عَنْ أَسْمَاءَ قَالَتْ سَأَلَتْ امْرَأَةٌ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْت إحْدَانَا إذَا أَصَابَ ثَوْبَهَا الدَّمُ مِنْ الْحَيْضَةِ كَيْفَ تَصْنَعُ‏؟‏ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهَا‏:‏ «إذَا أَصَابَ ثَوْبَ إحْدَاكُنَّ الدَّمُ مِنْ الْحَيْضَةِ فَلْتَقْرُصْهُ ثُمَّ لِتَنْضَحهُ بِمَاءٍ ثُمَّ لِتُصَلِّ فِيهِ»‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِغَسْلِ دَمِ الْحَيْضَةِ، وَلَمْ يُوَقِّتْ فِيهِ شَيْئًا وَكَانَ اسْمُ الْغُسْلِ يَقَعُ عَلَى غَسْلِهِ مَرَّةً وَأَكْثَرَ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إلَى الْمَرَافِقِ‏}‏ فَأَجْزَأَتْ مَرَّةٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ هَذَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الْغُسْلِ‏.‏

قال‏:‏ فَكَانَتْ الْأَنْجَاسُ كُلُّهَا قِيَاسًا عَلَى دَمِ الْحَيْضَةِ لِمُوَافَقَتِهِ مَعَانِي الْغُسْلِ وَالْوُضُوءِ فِي الْكِتَابِ وَالْمَعْقُولِ وَلَمْ نَقِسْهُ عَلَى الْكَلْبِ؛ لِأَنَّهُ تَعَبُّدٌ أَلاَ تَرَى أَنَّ اسْمَ الْغُسْلِ يَقَعُ عَلَى وَاحِدَةٍ وَأَكْثَرَ مِنْ سَبْعٍ، وَأَنَّ الْإِنَاءَ يُنَقَّى بِوَاحِدَةٍ وَبِمَا دُونَ السَّبْعِ، وَيَكُونُ بَعْدَ السَّبْعِ فِي مُمَاسَّةِ الْمَاءِ مِثْلَ قَبْلِ السَّبْعِ‏.‏

قَالَ وَلاَ نَجَاسَةَ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَحْيَاءِ مَاسَّتْ مَاءً قَلِيلاً بِأَنْ شَرِبَتْ مِنْهُ أَوْ أَدْخَلَتْ فِيهِ شَيْئًا مِنْ أَعْضَائِهَا إلَّا الْكَلْبُ، وَالْخِنْزِيرُ، وَإِنَّمَا النَّجَاسَةُ فِي الْمَوْتَى أَلاَ تَرَى أَنَّ الرَّجُلَ يَرْكَبُ الْحِمَارَ، وَيَعْرَقُ الْحِمَارُ وَهُوَ عَلَيْهِ، وَيَحِلُّ مَسُّهُ‏؟‏ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ مَا الدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ‏؟‏ قِيلَ أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ‏:‏ أَيُتَوَضَّأُ بِمَا أَفَضَلَتْ الْحُمُرُ‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ «نَعَمْ وَبِمَا أَفَضَلَتْ السِّبَاعُ كُلُّهَا»‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ أَبِي حَبِيبَةَ أَوْ أَبِي حَبِيبَةَ شَكَّ الرَّبِيعُ عَنْ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِهِ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ حَمِيدَةَ بِنْتِ عُبَيْدِ بْنِ رِفَاعَةَ عَنْ كَبْشَةَ بِنْتِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، وَكَانَتْ تَحْتَ ابْنِ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ دَخَلَ فَسَكَبَتْ لَهُ وُضُوءًا فَجَاءَتْ هِرَّةٌ فَشَرِبَتْ مِنْهُ قَالَتْ‏:‏ فَرَآنِي أَنْظُرُ إلَيْهِ فَقَالَ أَتَعْجَبِينَ يَا ابْنَةَ أَخِي إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ «إنَّهَا لَيْسَتْ بِنَجَسٍ إنَّهَا مِنْ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ أَوْ الطَّوَّافَاتِ»‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ أَوْ مِثْلَ مَعْنَاهُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَقِسْنَا عَلَى مَا عَقَلْنَا مِمَّا وَصَفْنَا وَكَانَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ وَبَيْنَ مَا سِوَاهُمَا مِمَّا لاَ يُؤْكَلُ لَحْمُهُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهَا شَيْءٌ حُرِّمَ أَنْ يُتَّخَذَ إلَّا لِمَعْنًى، وَالْكَلْبُ حُرِّمَ أَنْ يُتَّخَذَ لاَ لِمَعْنَى وَجَعَلَ يَنْقُصُ مِنْ عَمَلِ مَنْ اتَّخَذَهُ مِنْ غَيْرِ مَعْنًى كُلَّ يَوْمٍ- قِيرَاطٌ أَوْ قِيرَاطَانِ مَعَ مَا يَتَفَرَّقُ بِهِ مِنْ أَنَّ الْمَلاَئِكَةَ لاَ تَدْخُلُ بَيْتًا هُوَ فِيهِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ فَفَضْلُ كُلِّ شَيْءٍ مِنْ الدَّوَابِّ يُؤْكَلُ لَحْمُهُ أَوْ لاَ يُؤْكَلُ حَلاَلٌ إلَّا الْكَلْبَ وَالْخِنْزِيرَ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَإِذَا تَغَيَّرَ الْمَاءُ الْقَلِيلُ أَوْ الْكَثِيرُ فَأَنْتَنَ أَوْ تَغَيَّرَ لَوْنُهُ بِلاَ حَرَامٍ خَالَطَهُ فَهُوَ عَلَى الطَّهَارَةِ، وَكَذَلِكَ لَوْ بَالَ فِيهِ إنْسَانٌ فَلَمْ يَدْرِ أَخَالَطَهُ نَجَاسَةٌ أَمْ لاَ وَهُوَ مُتَغَيِّرُ الرِّيحِ أَوْ اللَّوْنِ أَوْ الطَّعْمِ فَهُوَ عَلَى الطَّهَارَةِ حَتَّى تُعْلَمَ نَجَاسَتُهُ؛ لِأَنَّهُ يُتْرَكُ لاَ يُسْتَقَى مِنْهُ فَيَتَغَيَّرُ، وَيُخَالِطُهُ الشَّجَرُ وَالطُّحْلُبُ فَيُغَيِّرُهُ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَإِذَا وَقَعَ فِي الْمَاءِ شَيْءٌ حَلاَلٌ فَغَيَّرَ لَهُ رِيحًا أَوْ طَعْمًا، وَلَمْ يَكُنْ الْمَاءُ مُسْتَهْلَكًا فِيهِ فَلاَ بَأْسَ أَنْ يَتَوَضَّأَ بِهِ وَذَلِكَ أَنْ يَقَعَ فِيهِ الْبَانُ أَوْ الْقَطْرَانُ فَيَظْهَرُ رِيحُهُ أَوْ مَا أَشْبَهَهُ‏.‏

وَإِنْ أَخَذَ مَاءً فَشِيبَ بِهِ لَبَنٌ أَوْ سَوِيقٌ أَوْ عَسَلٌ فَصَارَ الْمَاءُ مُسْتَهْلَكًا فِيهِ لَمْ يُتَوَضَّأْ بِهِ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ مُسْتَهْلَكٌ فِيهِ إنَّمَا يُقَالُ لِهَذَا مَاءُ سَوِيقٍ وَلَبَنٍ وَعَسَلٍ مَشُوبٌ وَإِنْ طُرِحَ مِنْهُ فِيهِ شَيْءٌ قَلِيلٌ يَكُونُ مَا طُرِحَ فِيهِ مِنْ سَوِيقٍ وَلَبَنٍ وَعَسَلٍ مُسْتَهْلَكًا فِيهِ، وَيَكُونُ لَوْنُ الْمَاءِ الظَّاهِرُ وَلاَ طَعْمَ لِشَيْءٍ مِنْ هَذَا فِيهِ تَوَضَّأَ بِهِ، وَهَذَا مَاءٌ بِحَالِهِ وَهَكَذَا كُلُّ مَا خَالَطَ الْمَاءَ مِنْ طَعَامٍ، وَشَرَابٍ وَغَيْرِهِ إلَّا مَا كَانَ الْمَاءُ قَارًّا فِيهِ، فَإِذَا كَانَ الْمَاءُ قَارًّا فِي الْأَرْضِ فَأَنْتَنَ أَوْ تَغَيَّرَ تَوَضَّأَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لاَ اسْمَ لَهُ دُونَ الْمَاءِ، وَلَيْسَ هَذَا كَمَا خُلِطَ بِهِ مِمَّا لَمْ يَكُنْ فِيهِ‏.‏

وَلَوْ صَبَّ عَلَى الْمَاءِ مَاءَ وَرْدٍ فَظَهَرَ رِيحُ مَاءِ الْوَرْدِ عَلَيْهِ لَمْ يَتَوَضَّأْ بِهِ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ مُسْتَهْلَكٌ فِيهِ وَالْمَاءُ الظَّاهِرُ لاَ مَاءُ الْوَرْدِ‏.‏

قال‏:‏ وَكَذَلِكَ لَوْ صُبَّ عَلَيْهِ قَطْرَانٌ فَظَهَرَ رِيحُ الْقَطْرَانِ فِي الْمَاءِ لَمْ يَتَوَضَّأْ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ تَوَضَّأَ بِهِ؛ لِأَنَّ الْقَطْرَانَ وَمَاءَ الْوَرْدِ يَخْتَلِطَانِ بِالْمَاءِ فَلاَ يَتَمَيَّزَانِ مِنْهُ‏.‏

وَلَوْ صُبَّ فِيهِ دُهْنٌ طَيِّبٌ أَوْ أُلْقِيَ فِيهِ عَنْبَرٌ أَوْ عُودٌ أَوْ شَيْءٌ ذُو رِيحٍ لاَ يَخْتَلِطُ بِالْمَاءِ فَظَهَرَ رِيحُهُ فِي الْمَاءِ تَوَضَّأَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْمَاءِ شَيْءٌ مِنْهُ يُسَمَّى الْمَاءُ مَخُوضًا بِهِ، وَلَوْ كَانَ صُبَّ فِيهِ مِسْكٌ أَوْ ذَرِيرَةٌ أَوْ شَيْءٌ يَنْمَاعُ فِي الْمَاءِ حَتَّى يَصِيرَ الْمَاءُ غَيْرَ مُتَمَيِّزٍ مِنْهُ فَظَهَرَ فِيهِ رِيحٌ لَمْ يَتَوَضَّأْ بِهِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مَاءٌ مَخُوضٌ بِهِ وَإِنَّمَا يُقَالُ لَهُ مَاءُ مِسْكٍ مَخُوضَةٍ، وَذَرِيرَةٍ مَخُوضَةٍ وَهَكَذَا كُلُّ مَا أُلْقِيَ فِيهِ مِنْ الْمَأْكُولِ مِنْ سَوِيقٍ أَوْ دَقِيقٍ وَمَرَقٍ وَغَيْرِهِ إذَا ظَهَرَ فِيهِ الطَّعْمُ وَالرِّيحُ مِمَّا يَخْتَلِطُ فِيهِ لَمْ يَتَوَضَّأْ بِهِ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ حِينَئِذٍ مَنْسُوبٌ إلَى مَا خَالَطَهُ مِنْهُ‏.‏

فَصْلُ الْجُنُبِ وَغَيْرِهُ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَغْتَسِلُ مِنْ الْقَدَحِ، وَهُوَ الْفَرْقُ وَكُنْت أَغْتَسِلُ أَنَا وَهُوَ مِنْ إنَاءٍ وَاحِدٍ‏.‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ إنَّ الرِّجَالَ، وَالنِّسَاءَ كَانُوا يَتَوَضَّئُونَ فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمِيعًا أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ‏:‏ كُنْت أَغْتَسِلُ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ إنَاءٍ وَاحِدٍ‏.‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ مَيْمُونَةَ أَنَّهَا كَانَتْ تَغْتَسِلُ هِيَ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ إنَاءٍ وَاحِدٍ‏.‏ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ مُعَاذَةَ الْعَدَوِيَّةِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كُنْت أَغْتَسِلُ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ إنَاءٍ وَاحِدٍ فَرُبَّمَا قُلْت لَهُ أَبْقِ لِي أَبْقِ لِي‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ رُوِيَ عَنْ سَالِمٍ أَبِي النَّضْرِ عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كُنْت أَغْتَسِلُ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ إنَاءٍ وَاحِدٍ مِنْ الْجَنَابَةِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَبِهَذَا نَأْخُذُ فَلاَ بَأْسَ أَنْ يَغْتَسِلَ بِفَضْلِ الْجُنُبِ، وَالْحَائِضِ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اغْتَسَلَ وَعَائِشَةَ مِنْ إنَاءٍ وَاحِدٍ مِنْ الْجَنَابَةِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَغْتَسِلُ بِفَضْلِ صَاحِبِهِ، وَلَيْسَتْ الْحَيْضَةُ فِي الْيَدِ وَلَيْسَ يَنْجُسُ الْمُؤْمِنُ إنَّمَا هُوَ تَعَبُّدٌ بِأَنْ يُمَاسَّ الْمَاءَ فِي بَعْضِ حَالَتِهِ دُونَ بَعْضٍ‏.‏

مَاءُ النَّصْرَانِيِّ وَالْوُضُوءُ مِنْهُ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ تَوَضَّأَ مِنْ مَاءِ نَصْرَانِيَّةٍ فِي جَرَّةِ نَصْرَانِيَّةٍ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلاَ بَأْسَ بِالْوُضُوءِ مِنْ مَاءِ الْمُشْرِكِ وَبِفَضْلِ وُضُوئِهِ مَا لَمْ يَعْلَمْ فِيهِ نَجَاسَةً؛ لِأَنَّ لِلْمَاءِ طَهَارَةً عِنْدَ مَنْ كَانَ وَحَيْثُ كَانَ حَتَّى تُعْلَمَ نَجَاسَةٌ خَالَطَتْهُ‏.‏

باب الْآنِيَةِ الَّتِي يُتَوَضَّأُ فِيهَا، وَلاَ يُتَوَضَّأُ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ‏:‏ مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَاةٍ مَيِّتَةٍ قَدْ كَانَ أَعْطَاهَا مَوْلاَةً لِمَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ «فَهَلَّا انْتَفَعْتُمْ بِجِلْدِهَا‏؟‏» قَالُوا‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّهَا مَيِّتَةٌ‏.‏ فَقَالَ‏:‏ «إنَّمَا حَرُمَ أَكْلُهَا»‏.‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ، أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ سَمِعَ ابْنَ وَعْلَةَ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ «أَيُّمَا إهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ» أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ ابْنِ وَعْلَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ «إذَا دُبِغَ الْإِهَابُ فَقَدْ طَهُرَ»‏.‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ أَنْ يُسْتَمْتَعَ بِجُلُودِ الْمَيْتَةِ إذَا دُبِغَتْ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَيُتَوَضَّأُ فِي جُلُودِ الْمَيْتَةِ كُلِّهَا إذَا دُبِغَتْ وَجُلُودِ مَا لاَ يُؤْكَلُ لَحْمُهُ مِنْ السِّبَاعِ قِيَاسًا عَلَيْهَا إلَّا جِلْدَ الْكَلْبِ، وَالْخِنْزِيرِ فَإِنَّهُ لاَ يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ؛ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ فِيهِمَا وَهُمَا حَيَّانِ قَائِمَةٌ، وَإِنَّمَا يَطْهُرُ بِالدَّبَّاغِ مَا لَمْ يَكُنْ نَجِسًا حَيًّا‏.‏ وَالدِّبَاغُ بِكُلِّ مَا دَبَغَتْ بِهِ الْعَرَبُ مِنْ قَرْظٍ، وَشَبٍّ وَمَا عَمِلَ عَمَلَهُ مِمَّا يَمْكُثُ فِيهِ الْإِهَابُ حَتَّى يُنَشِّفَ فُضُولَهُ وَيُطَيِّبَهُ وَيَمْنَعَهُ الْفَسَادَ إذَا أَصَابَهُ الْمَاءُ، وَلاَ يَطْهُرُ إهَابُ الْمَيْتَةِ مِنْ الدِّبَاغِ إلَّا بِمَا وَصَفْت، وَإِنْ تَمَعَّطَ شَعْرُهُ فَإِنَّ شَعْرَهُ نَجِسٌ، فَإِذَا دُبِغَ وَتُرِكَ عَلَيْهِ شَعْرُهُ فَمَاسَّ الْمَاءُ شَعْرَهُ نَجُسَ الْمَاءُ، وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ فِي بَاطِنِهِ وَكَانَ شَعْرُهُ ظَاهِرًا لَمْ يَنْجُسْ الْمَاءُ إذَا لَمْ يُمَاسَّ شَعْرَهُ، فَأَمَّا جِلْدُ كُلِّ ذَكِيٍّ يُؤْكَلُ لَحْمُهُ فَلاَ بَأْسَ أَنْ يَشْرَبَ وَيَتَوَضَّأَ فِيهِ إنْ لَمْ يُدْبَغْ؛ لِأَنَّ طَهَارَةَ الذَّكَاةِ وَقَعَتْ عَلَيْهِ فَإِذَا طَهُرَ الْإِهَابُ صُلِّيَ فِيهِ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ، وَجُلُودُ ذَوَاتِ الْأَرْوَاحِ السِّبَاعِ وَغَيْرِهَا مِمَّا لاَ يُؤْكَلُ لَحْمُهُ سَوَاءٌ ذَكِيُّهُ وَمَيِّتُهُ؛ لِأَنَّ الذَّكَاةَ لاَ تُحِلُّهَا فَإِذَا دُبِغَتْ كُلُّهَا طَهُرَتْ؛ لِأَنَّهَا فِي مَعَانِي جُلُودِ الْمَيْتَةِ إلَّا جِلْدَ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ فَإِنَّهُمَا لاَ يَطْهُرَانِ بِحَالٍ أَبَدًا‏.‏

قال‏:‏ وَلاَ يَتَوَضَّأُ وَلاَ يَشْرَبُ فِي عَظْمِ مَيْتَةٍ وَلاَ عَظْمِ ذَكِيٍّ لاَ يُؤْكَلُ لَحْمُهُ مِثْلِ عَظْمِ الْفِيلِ وَالْأَسَدِ وَمَا أَشْبَهَهُ؛ لِأَنَّ الدِّبَاغَ وَالْغُسْلَ لاَ يُطَهِّرَانِ الْعَظْمَ رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ يَكْرَهُ أَنْ يُدَهَّنَ فِي مُدْهُنٍ مِنْ عِظَامِ الْفِيلِ؛ لِأَنَّهُ مَيْتَةٌ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَمَنْ تَوَضَّأَ فِي شَيْءٍ مِنْهُ أَعَادَ الْوُضُوءَ وَغَسَلَ مَا مَسَّهُ مِنْ الْمَاءِ الَّذِي كَانَ فِيهِ‏.‏

الْآنِيَةُ غَيْرُ الْجُلُودِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلاَ أَكْرَهُ إنَاءً تُوُضِّئَ فِيهِ مِنْ حِجَارَةٍ وَلاَ حَدِيدٍ وَلاَ نُحَاسٍ وَلاَ شَيْءٍ غَيْرِ ذَوَاتِ الْأَرْوَاحِ إلَّا آنِيَةَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَإِنِّي أَكْرَهُ الْوُضُوءَ فِيهِمَا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ «الَّذِي يَشْرَبُ فِي إنَاءِ الْفِضَّةِ إنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ»‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَإِنْ تَوَضَّأَ أَحَدٌ فِيهَا أَوْ شَرِبَ كَرِهْتُ ذَلِكَ لَهُ وَلَمْ آمُرْهُ يُعِيدُ الْوُضُوءَ وَلَمْ أَزْعُمْ أَنَّ الْمَاءَ الَّذِي شَرِبَ وَلاَ الطَّعَامَ الَّذِي أَكَلَ فِيهَا مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ وَكَانَ الْفِعْلُ مِنْ الشُّرْبِ فِيهَا مَعْصِيَةً، فَإِنْ قِيلَ فَكَيْفَ يُنْهَى عَنْهَا وَلاَ يَحْرُمُ الْمَاءُ فِيهَا‏؟‏ قِيلَ لَهُ- إنْ شَاءَ اللَّهُ- إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا نَهَى عَنْ الْفِعْلِ فِيهَا لاَ عَنْ تِبْرِهَا وَقَدْ فُرِضَتْ فِيهَا الزَّكَاةُ وَتَمَوَّلَهَا الْمُسْلِمُونَ وَلَوْ كَانَتْ نَجِسًا لَمْ يَتَمَوَّلْهَا أَحَدٌ وَلَمْ يَحِلَّ بَيْعُهَا وَلاَ شِرَاؤُهَا‏.‏

باب الْمَاءِ يَشُكُّ فِيهِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ وَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ مُسَافِرًا وَكَانَ مَعَهُ مَاءٌ فَظَنَّ أَنَّ النَّجَاسَةَ خَالَطَتْهُ فَتَنَجَّسَ وَلَمْ يَسْتَيْقِنْ فَالْمَاءُ عَلَى الطَّهَارَةِ وَلَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ بِهِ وَيَشْرَبَهُ حَتَّى يَسْتَيْقِنَ مُخَالَطَةَ النَّجَاسَةِ بِهِ، وَإِنْ اسْتَيْقَنَ النَّجَاسَةَ وَكَانَ يُرِيدُ أَنْ يُهْرِيقَهُ وَيُبَدِّلَهُ بِغَيْرِهِ فَشَكَّ أَفَعَلَ أَمْ لاَ فَهُوَ عَلَى النَّجَاسَةِ حَتَّى يَسْتَيْقِنَ أَنَّهُ أَهْرَاقَهُ وَأَبْدَلَ غَيْرَهُ، وَإِذَا قَلَّتْ فِي الْمَاءِ فَهُوَ عَلَى النَّجَاسَةِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ بِهِ وَعَلَيْهِ أَنْ يَتَيَمَّمَ إنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ، وَلَهُ إنْ اُضْطُرَّ إلَيْهِ أَنْ يَشْرَبَهُ؛ لِأَنَّ فِي الشُّرْبِ ضَرُورَةَ خَوْفِ الْمَوْتِ وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي الْوُضُوءِ فَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى التُّرَابَ طَهُورًا لِمَنْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ وَهَذَا غَيْرُ وَاجِدٍ مَاءً يَكُونُ طَهُورًا، وَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ فِي السَّفَرِ وَمَعَهُ مَاءَانِ اسْتَيْقَنَ أَنَّ أَحَدَهُمَا نَجِسٌ وَالْآخَرَ لَمْ يَنْجُسْ فَأَهْرَاقَ النَّجِسَ مِنْهُمَا عَلَى الْأَغْلَبِ عِنْدَهُ أَنَّهُ نَجِسٌ تَوَضَّأَ بِالْآخَرِ، وَإِنْ خَافَ الْعَطَشَ حَبَسَ الَّذِي الْأَغْلَبُ عِنْدَهُ أَنَّهُ نَجِسٌ وَتَوَضَّأَ بِالطَّاهِرِ عِنْدَهُ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ قَدْ اسْتَيْقَنَ النَّجَاسَةَ فِي شَيْءٍ فَكَيْفَ يَتَوَضَّأُ بِغَيْرِ يَقِينِ الطَّهَارَةِ‏؟‏ قِيلَ لَهُ‏:‏ إنَّهُ اسْتَيْقَنَ النَّجَاسَةَ فِي شَيْءٍ وَاسْتَيْقَنَ الطَّهَارَةَ فِي غَيْرِهِ فَلاَ نُفْسِدُ عَلَيْهِ الطَّهَارَةَ إلَّا بِيَقِينِ أَنَّهَا نَجِسَةٌ وَاَلَّذِي تَأَخَّى فَكَانَ الْأَغْلَبُ عَلَيْهِ عِنْدَهُ أَنَّهُ غَيْرُ نَجِسٍ عَلَى أَصْلِ الطَّهَارَةِ؛ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ تَمْكُنُ فِيهِ وَلَمْ يَسْتَيْقِنْ النَّجَاسَةَ، فَإِنْ قَالَ فَقَدْ نَجَّسْتَ عَلَيْهِ الْآخَرَ بِغَيْرِ يَقِينِ نَجَاسَةٍ قِيلَ لاَ إنَّمَا نَجَّسْتُهُ عَلَيْهِ بِيَقِينِ أَنَّ أَحَدَهُمَا نَجِسٌ وَأَنَّ الْأَغْلَبَ عِنْدَهُ أَنَّهُ نَجِسٌ فَلَمْ أَقُلْ فِي تَنْجِيسِهِ إلَّا بِيَقِينِ رَبِّ الْمَاءِ فِي نَجَاسَةِ أَحَدِهِمَا وَالْأَغْلَبُ عِنْدَهُ أَنَّ هَذَا النَّجِسَ مِنْهُمَا فَإِنْ اسْتَيْقَنَ بَعْدُ أَنَّ الَّذِي تَوَضَّأَ بِهِ النَّجِسُ وَاَلَّذِي تَرَكَ الطَّاهِرُ غَسَلَ كُلَّ مَا أَصَابَ ذَلِكَ الْمَاءُ النَّجِسُ مِنْ ثَوْبٍ وَبَدَنٍ، وَأَعَادَ الطَّهَارَةَ وَالصَّلاَةَ، وَكَانَ لَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ بِهَذَا الَّذِي كَانَ الْأَغْلَبُ عِنْدَهُ أَنَّهُ نَجِسٌ حَتَّى اسْتَيْقَنَ طَهَارَتَهُ‏.‏

وَلَوْ اشْتَبَهَ الْمَاءَانِ عَلَيْهِ فَلَمْ يَدْرِ أَيَّهُمَا النَّجِسُ وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ فِيهِمَا أَغْلَبُ، قِيلَ لَهُ إنْ لَمْ تَجِدْ مَاءً غَيْرَهُمَا فَعَلَيْك أَنْ تَتَطَهَّرَ بِالْأَغْلَبِ وَلَيْسَ لَك أَنْ تَتَيَمَّمَ، وَلَوْ كَانَ الَّذِي أَشْكَلَ عَلَيْهِ الْمَاءَانِ أَعْمَى لاَ يَعْرِفُ مَا يَدُلُّهُ عَلَى الْأَغْلَبِ وَكَانَ مَعَهُ بَصِيرٌ يُصَدِّقُهُ وَسِعَهُ أَنْ يَسْتَعْمِلَ الْأَغْلَبَ عِنْدَ الْبَصِيرِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ أَحَدٌ يُصَدِّقُهُ أَوْ كَانَ مَعَهُ بَصِيرٌ لاَ يَدْرِي أَيَّ الْإِنَاءَيْنِ نَجِسٌ وَاخْتَلَطَ عَلَيْهِ أَيُّهُمَا نَجِسٌ تَأَخَّى الْأَغْلَبَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ دَلاَلَةٌ عَلَى الْأَغْلَبِ مِنْ أَيِّهِمَا نَجِسٌ وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ أَحَدٌ يُصَدِّقُهُ تَأَخَّى عَلَى أَكْثَرِ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ فَيَتَوَضَّأُ، وَلاَ يَتَيَمَّمُ وَمَعَهُ مَاءَانِ‏:‏ أَحَدُهُمَا طَاهِرٌ، وَلاَ يَتَيَمَّمُ مَعَ الْوُضُوءِ؛ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ لاَ يُطَهِّرُ نَجَاسَةً إنْ مَاسَّتْهُ مِنْ الْمَاءِ، وَلاَ يَجِبُ التَّيَمُّمُ مَعَ الْمَاءِ الطَّاهِرِ‏.‏

وَلَوْ تَوَضَّأَ بِمَاءٍ ثُمَّ ظَنَّ أَنَّهُ نَجِسٌ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ وُضُوءًا حَتَّى يَسْتَيْقِنَ أَنَّهُ نَجِسٌ، وَالِاخْتِيَارُ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ، فَإِنْ اسْتَيْقَنَ بَعْدَ الْوُضُوءِ أَنَّهُ نَجِسٌ غَسَلَ كُلَّ مَا أَصَابَ الْمَاءُ مِنْهُ وَاسْتَأْنَفَ وُضُوءًا وَأَعَادَ كُلَّ صَلاَةٍ صَلَّاهَا بَعْدَ مُمَاسَّتِهِ الْمَاءَ النَّجِسَ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ عَلَى وُضُوءٍ فَمَاسَّ مَاءً نَجِسًا أَوْ مَاسَّ رَطْبًا مِنْ الْأَنْجَاسِ ثُمَّ صَلَّى غَسَلَ مَا مَاسَّ مِنْ النَّجَسِ وَأَعَادَ كُلَّ صَلاَةٍ صَلَّاهَا بَعْدَ مُمَاسَّتِهِ النَّجَسَ‏.‏

وَإِنْ مَاسَّ النَّجَسَ وَهُوَ مُسَافِرٌ وَلَمْ يَجِدْ مَاءً تَيَمَّمَ وَصَلَّى وَأَعَادَ كُلَّ صَلاَةٍ صَلَّاهَا بَعْدَ مُمَاسَّتِهِ النَّجَسَ؛ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ لاَ يُطَهِّرُ النَّجَاسَةَ الْمُمَاسَّةَ لِلْأَبْدَانِ‏.‏

قَالَ فَإِذَا وَجَدَ الرَّجُلُ الْمَاءَ الْقَلِيلَ عَلَى الْأَرْضِ أَوْ فِي بِئْرٍ أَوْ فِي وَقْرِ حَجَرٍ أَوْ غَيْرِهِ فَوَجَدَهُ شَدِيدَ التَّغَيُّرِ لاَ يَدْرِي أَخَالَطَتْهُ نَجَاسَةٌ مِنْ بَوْلِ دَوَابَّ أَوْ غَيْرِهِ تَوَضَّأَ بِهِ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ قَدْ يَتَغَيَّرُ بِلاَ حَرَامٍ خَالَطَهُ فَإِذَا أَمْكَنَ هَذَا فِيهِ فَهُوَ عَلَى الطَّهَارَةِ حَتَّى يَسْتَيْقِنَ بِنَجَاسَةٍ خَالَطَتْهُ‏.‏

قَالَ وَلَوْ رَأَى مَاءً أَكْثَرَ مِنْ خَمْسِ قِرَبٍ فَاسْتَيْقَنَ أَنَّ ظَبْيًا بَالَ فِيهِ فَوَجَدَ طَعْمَهُ أَوْ لَوْنَهُ مُتَغَيِّرًا أَوْ رِيحَهُ مُتَغَيِّرًا كَانَ نَجِسًا وَإِنْ ظَنَّ أَنَّ تَغَيُّرَهُ مِنْ غَيْرِ الْبَوْلِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ اسْتَيْقَنَ بِنَجَاسَةٍ خَالَطَتْهُ وَوَجَدَ التَّغَيُّرَ قَائِمًا فِيهِ، وَالتَّغَيُّرُ بِالْبَوْلِ وَغَيْرِهِ يَخْتَلِفُ‏.‏

مَا يُوجِبُ الْوُضُوءَ وَمَا لاَ يُوجِبُهُ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ‏}‏ الآيَةَ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَكَانَ ظَاهِرُ الآيَةِ أَنَّ مَنْ قَامَ إلَى الصَّلاَةِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَوَضَّأَ وَكَانَتْ مُحْتَمِلَةً أَنْ تَكُونَ نَزَلَتْ فِي خَاصٍّ فَسَمِعْتُ مَنْ أَرْضَى عِلْمَهُ بِالْقُرْآنِ يَزْعُمُ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الْقَائِمِينَ مِنْ النَّوْمِ‏.‏

قال‏:‏ وَأَحْسَبُ مَا قَالَ كَمَا قَالَ؛ لِأَنَّ فِي السُّنَّةِ دَلِيلاً عَلَى أَنْ يَتَوَضَّأَ مَنْ قَامَ مِنْ نَوْمِهِ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ «إذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلاَ يَغْمِسْ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلاَثًا فَإِنَّهُ لاَ يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ»‏.‏

أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ «إذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلْيَغْسِلْ يَدَهُ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهَا فِي وَضُوئِهِ فَإِنَّهُ لاَ يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ»‏.‏

أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ «إذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ مَنَامِهِ فَلاَ يَغْمِسْ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلاَثًا فَإِنَّهُ لاَ يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ»‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ فَمَنْ نَامَ مُضْطَجِعًا وَجَبَ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مِنْ مُضْطَجَعٍ‏.‏

قَالَ وَالنَّوْمُ غَلَبَةٌ عَلَى الْعَقْلِ، فَمَنْ غُلِبَ عَلَى عَقْلِهِ بِجُنُونٍ أَوْ مَرَضٍ مُضْطَجِعًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُضْطَجِعٍ وَجَبَ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ؛ لِأَنَّهُ فِي أَكْثَرَ مِنْ حَالِ النَّائِمِ، وَالنَّائِمُ يَتَحَرَّكُ الشَّيْءُ فَيَنْتَبِهُ، وَيَنْتَبِهُ مِنْ غَيْرِ تَحَرُّكِ الشَّيْءِ، وَالْمَغْلُوبُ عَلَى عَقْلِهِ بِجُنُونٍ أَوْ غَيْرِهِ يُحَرَّكُ فَلاَ يَتَحَرَّكُ‏.‏

قال‏:‏ وَإِذَا نَامَ الرَّجُلُ قَاعِدًا فَأَحَبُّ إلَيَّ لَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ‏.‏

قال‏:‏ وَلاَ يَبِينُ لِي أَنْ أُوجِبَ عَلَيْهِ الْوُضُوءَ، أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْتَظِرُونَ الْعِشَاءَ فَيَنَامُونَ أَحْسَبُهُ قَالَ قُعُودًا حَتَّى تَخْفِقَ رُءُوسُهُمْ ثُمَّ يُصَلُّونَ وَلاَ يَتَوَضَّئُونَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَنَامُ قَاعِدًا ثُمَّ يُصَلِّي وَلاَ يَتَوَضَّأُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِنْ نَامَ قَاعِدًا مُسْتَوِيًا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ عِنْدِي الْوُضُوءُ؛ لِمَا ذَكَرْت مِنْ الْآثَارِ وَإِنْ مَعْلُومًا إنْ كَانَتْ الْآيَةُ نَزَلَتْ فِي النَّائِمِينَ أَنَّ النَّائِمَ مُضْطَجِعٌ وَأَنَّ مَعْلُومًا أَنَّ مَنْ قِيلَ لَهُ فُلاَنٌ نَائِمٌ فَلاَ يَتَوَهَّمُ إلَّا مُضْطَجِعًا، وَلاَ يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ النَّوْمِ مُطْلَقًا إلَّا أَنْ يَكُونَ مُضْطَجِعًا، وَنَائِمٌ قَاعِدًا بِمَعْنَى أَنْ يُوصَلَ فَيُقَالَ نَامَ قَاعِدًا كَمَا يُقَالُ نَامَ عَنْ الشَّيْءِ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَنْتَبِهَ لَهُ مِنْ الرَّأْيِ لاَ نَوْمَ الرُّقَادِ، وَإِنَّ النَّائِمَ مُضْطَجِعًا فِي غَيْرِ حَالِ النَّائِمِ قَاعِدًا؛ لِأَنَّهُ يَسْتَثْقِلُ فَيَغْلِبُ عَلَى عَقْلِهِ أَكْثَرُ مِنْ الْغَلَبَةِ عَلَى عَقْلِ النَّائِمِ جَالِسًا وَأَنَّ سَبِيلَ الْحَدَثِ مِنْهُ فِي سُهُولَةِ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ وَخَفَائِهِ عَلَيْهِ غَيْرُ سَبِيلِهِ مِنْ النَّائِمِ قَاعِدًا‏.‏

قال‏:‏ وَإِنْ زَالَ عَنْ حَدِّ الِاسْتِوَاءِ فِي الْقُعُودِ نَائِمًا وَجَبَ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ؛ لِأَنَّ النَّائِمَ جَالِسًا يَكِلُ نَفْسَهُ إلَى الْأَرْضِ وَلاَ يَكَادُ يَخْرُجُ مِنْهُ شَيْءٌ إلَّا يَنْتَبِهُ وَإِذَا زَالَ كَانَ فِي حَدِّ الْمُضْطَجِعِ بِالْمَوْضِعِ الَّذِي يَكُونُ مِنْهُ الْحَدَثُ‏.‏

قَالَ وَإِذَا نَامَ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا وَجَبَ عَلَيْهِ الْوُضُوءَ؛ لِأَنَّهُ أَحْرَى أَنْ يَخْرُجَ مِنْهُ الْحَدَثُ فَلاَ يَعْلَمُ بِهِ مِنْ الْمُضْطَجِعِ‏.‏

قَالَ وَمَنْ نَامَ قَائِمًا وَجَبَ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ؛ لِأَنَّهُ لاَ يَكِلُ نَفْسَهُ إلَى الْأَرْضِ وَأَنْ يُقَاسَ عَلَى الْمُضْطَجِعِ بِأَنَّ كُلًّا مَغْلُوبٌ عَلَى عَقْلِهِ بِالنَّوْمِ- أَوْلَى بِهِ مِنْ أَنْ يُقَاسَ عَلَى الْقَاعِدِ الَّذِي إنَّمَا سُلِّمَ فِيهِ لِلْآثَارِ وَكَانَتْ فِيهِ الْعِلَّةُ الَّتِي وَصَفْت مِنْ أَنَّهُ لاَ يَكِلُ نَفْسَهُ إلَى الْأَرْضِ‏.‏

قَالَ وَالنَّوْمُ الَّذِي يُوجِبُ الْوُضُوءَ عَلَى مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ بِالنَّوْمِ الْغَلَبَةُ عَلَى الْعَقْلِ كَائِنًا ذَلِكَ مَا كَانَ قَلِيلاً أَوْ كَثِيرًا فَأَمَّا مَنْ لَمْ يُغْلَبْ عَلَى عَقْلِهِ مِنْ مُضْطَجِعٍ وَغَيْرِ مَا طُرِقَ بِنُعَاسٍ أَوْ حَدِيثِ نَفْسٍ فَلاَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ حَتَّى يَسْتَيْقِنَ أَنَّهُ أَحْدَثَ‏.‏

قال‏:‏ وَسَوَاءٌ الرَّاكِبُ السَّفِينَةَ وَالْبَعِيرَ وَالدَّابَّةَ وَالْمُسْتَوِيَ بِالْأَرْضِ مَتَى زَالَ عَنْ حَدِّ الِاسْتِوَاءِ قَاعِدًا أَوْ نَامَ قَائِمًا أَوْ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا أَوْ مُضْطَجِعًا وَجَبَ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ، وَإِذَا شَكَّ الرَّجُلُ فِي نَوْمٍ وَخَطَرَ بِبَالِهِ شَيْءٌ لَمْ يَدْرِ أَرُؤْيَا أَمْ حَدِيثُ نَفْسٍ فَهُوَ غَيْرُ نَائِمٍ حَتَّى يَسْتَيْقِنَ النَّوْمَ، فَإِنْ اسْتَيْقَنَ الرُّؤْيَا وَلَمْ يَسْتَيْقِنْ النَّوْمَ فَهُوَ نَائِمٌ وَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ، وَالِاحْتِيَاطُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى كُلِّهَا أَنْ يَتَوَضَّأَ، وَعَلَيْهِ فِي الرُّؤْيَا وَيَقِينِ النَّوْمِ وَإِنْ قَلَّ – الْوُضُوءُ‏.‏

الْوُضُوءُ مِنْ الْمُلاَمَسَةِ وَالْغَائِطِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى‏:‏ ‏{‏إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إلَى الْمَرَافِقِ‏}‏ الآيَةَ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْوُضُوءَ عَلَى مَنْ قَامَ إلَى الصَّلاَةِ وَأَشْبَهَ أَنْ يَكُونَ مَنْ قَامَ مِنْ مَضْجَعِ النَّوْمِ وَذَكَرَ طَهَارَةَ الْجُنُبِ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذِكْرِ طَهَارَةِ الْجُنُبِ ‏{‏وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا‏}‏ فَأَشْبَهَ أَنْ يَكُونَ أَوْجَبَ الْوُضُوءَ مِنْ الْغَائِطِ وَأَوْجَبَهُ مِنْ الْمُلاَمَسَةِ وَإِنَّمَا ذَكَرَهَا مَوْصُولَةً بِالْغَائِطِ بَعْدَ ذِكْرِ الْجَنَابَةِ فَأَشْبَهَتْ الْمُلاَمَسَةُ أَنْ تَكُونَ اللَّمْسَ بِالْيَدِ وَالْقُبْلَةَ غَيْرَ الْجَنَابَةِ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قُبْلَةُ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ وَجَسُّهَا بِيَدِهِ مِنْ الْمُلاَمَسَةِ فَمَنْ قَبَّلَ امْرَأَتَهُ أَوْ جَسَّهَا بِيَدِهِ فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَبَلَغَنَا عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَرِيبٌ مِنْ مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ، وَإِذَا أَفْضَى الرَّجُلُ بِيَدِهِ إلَى امْرَأَتِهِ أَوْ بِبَعْضِ جَسَدِهِ إلَى بَعْضِ جَسَدِهَا لاَ حَائِلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا بِشَهْوَةٍ أَوْ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ وَجَبَ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ وَوَجَبَ عَلَيْهَا، وَكَذَلِكَ إنْ لَمَسَتْهُ هِيَ وَجَبَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهَا الْوُضُوءُ، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ أَيُّ بَدَنَيْهِمَا أَفْضَى إلَى الْآخَرِ إذَا أَفْضَى إلَى بَشَرَتِهَا، أَوْ أَفْضَتْ إلَى بَشَرَتِهِ بِشَيْءٍ مِنْ بَشَرَتِهَا فَإِنْ أَفْضَى بِيَدِهِ إلَى شَعْرِهَا وَلَمْ يُمَاسَّ لَهَا بَشَرًا فَلاَ وُضُوءَ عَلَيْهِ كَانَ ذَلِكَ لِشَهْوَةٍ أَوْ لِغَيْرِ شَهْوَةٍ كَمَا يَشْتَهِيهَا وَلاَ يَمَسُّهَا فَلاَ يَجِبُ عَلَيْهِ وُضُوءٌ، وَلاَ مَعْنَى لِلشَّهْوَةِ؛ لِأَنَّهَا فِي الْقَلْبِ، إنَّمَا الْمَعْنَى فِي الْفِعْلِ، وَالشَّعْرُ مُخَالِفٌ لِلْبَشَرَةِ‏.‏

قال‏:‏ وَلَوْ احْتَاطَ فَتَوَضَّأَ إذَا لَمَسَ شَعْرَهَا كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ‏.‏

وَلَوْ مَسَّ بِيَدِهِ مَا شَاءَ فَوْقَ بَدَنِهَا مِنْ ثَوْبٍ رَقِيقٍ خَامٍ أَوْ بَتٍّ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ صَفِيقٍ مُتَلَذِّذًا أَوْ غَيْرَ مُتَلَذِّذٍ وَفَعَلَتْ هِيَ ذَلِكَ لَمْ يَجِبْ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا وُضُوءٌ؛ لِأَنَّ كِلاَهُمَا لَمْ يَلْمِسْ صَاحِبَهُ إنَّمَا لَمَسَ ثَوْبَ صَاحِبِهِ قَالَ الرَّبِيعُ سَمِعْت الشَّافِعِيَّ يَقُولُ اللَّمْسُ بِالْكَفِّ، أَلاَ تَرَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الْمُلاَمَسَةِ قَالَ الشَّاعِرُ‏:‏ وَأَلْمَسْتُ كَفِّي كَفَّهُ أَطْلُبُ الْغِنَى وَلَمْ أَدْرِ أَنَّ الْجُودَ مِنْ كَفِّهِ يُعْدِي فَلاَ أَنَا مِنْهُ مَا أَفَادَ ذَوُو الْغِنَى أَفَدْتُ وَأَعْدَانِي فَبَذَّرْتُ مَا عِنْدِي‏.‏

الْوُضُوءُ مِنْ الْغَائِطِ وَالْبَوْلِ وَالرِّيحِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَمَعْقُولٌ إذْ ذَكَرَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى الْغَائِطَ فِي آيَةِ الْوُضُوءِ أَنَّ الْغَائِطَ الْخَلاَءُ فَمَنْ تَخَلَّى وَجَبَ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ قَالَ حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ قَالَ أَخْبَرَنِي عَبَّادُ بْنُ تَمِيمٍ عَنْ عَمِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ‏:‏ شُكِيَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّجُلُ يُخَيَّلُ إلَيْهِ الشَّيْءُ فِي الصَّلاَةِ فَقَالَ‏:‏ «لاَ يَنْفَتِلْ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا»‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَلَمَّا دَلَّتْ السُّنَّةُ عَلَى أَنَّ الرَّجُلَ يَنْصَرِفُ مِنْ الصَّلاَةِ بِالرِّيحِ كَانَتْ الرِّيحُ مِنْ سَبِيلِ الْغَائِطِ وَكَانَ الْغَائِطُ أَكْثَرَ مِنْهَا أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي الْحُوَيْرِثِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ ابْنِ الصِّمَّةِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَالَ فَتَيَمَّمَ‏.‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ الْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رضي الله تعالى عنه أَمَرَهُ أَنْ يَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الرَّجُلِ إذَا دَنَا مِنْ أَهْلِهِ يَخْرُجُ مِنْهُ الْمَذْيُ مَاذَا عَلَيْهِ قَالَ عَلِيٌّ فَإِنَّ عِنْدِي ابْنَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنَا أَسْتَحْيِي أَنْ أَسْأَلَهُ قَالَ الْمِقْدَادُ فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ‏:‏ «إذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ ذَلِكَ فَلْيَنْضَحْ فَرْجَهُ بِمَاءٍ وَلْيَتَوَضَّأْ وُضُوءَهُ لِلصَّلاَةِ»‏.‏ فَدَلَّتْ السُّنَّةُ عَلَى الْوُضُوءِ مِنْ الْمَذْيِ وَالْبَوْلِ مَعَ دَلاَلَتِهَا عَلَى الْوُضُوءِ مِنْ خُرُوجِ الرِّيحِ فَلَمْ يَجُزْ إلَّا أَنْ يَكُونَ جَمِيعُ مَا خَرَجَ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ دُبُرٍ مِنْ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ أَوْ قُبُلِ الْمَرْأَةِ الَّذِي هُوَ سَبِيلُ الْحَدَثِ يُوجِبُ الْوُضُوءَ، وَسَوَاءٌ مَا دَخَلَ ذَلِكَ مِنْ سِبَارٍ أَوْ حُقْنَةِ ذَكَرٍ أَوْ دُبُرٍ فَخَرَجَ عَلَى وَجْهِهِ أَوْ يَخْلِطُهُ شَيْءٌ غَيْرُهُ فَفِيهِ كُلِّهِ الْوُضُوءُ؛ لِأَنَّهُ خَارِجٌ مِنْ سَبِيلِ الْحَدَثِ، قَالَ وَكَذَلِكَ الدُّودُ يَخْرُجُ مِنْهُ وَالْحَصَاةُ وَكُلُّ مَا خَرَجَ مِنْ وَاحِدٍ مِنْ الْفُرُوجِ فَفِيهِ الْوُضُوءُ وَكَذَلِكَ الرِّيحُ تَخْرُجُ مِنْ ذَكَرِ الرَّجُلِ أَوْ قُبُلِ الْمَرْأَةِ فِيهَا الْوُضُوءُ كَمَا يَكُونُ الْوُضُوءُ فِي الْمَاءِ وَغَيْرِهِ يَخْرُجُ مِنْ الدُّبُرِ، قَالَ‏:‏ وَلَمَّا كَانَ مَا خَرَجَ مِنْ الْفُرُوجِ حَدَثًا رِيحًا أَوْ غَيْرَ رِيحٍ فِي حُكْمِ الْحَدَثِ وَلَمْ يَخْتَلِفْ النَّاسُ فِي الْبُصَاقِ يَخْرُجُ مِنْ الْفَمِ، وَالْمُخَاطِ وَالنَّفَسِ يَأْتِي مِنْ الْأَنْفِ، وَالْجُشَاءِ الْمُتَغَيِّرِ وَغَيْرِ الْمُتَغَيِّرِ يَأْتِي مِنْ، الْفَمِ لاَ يُوجِبُ الْوُضُوءَ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنْ لاَ وُضُوءَ فِي قَيْءٍ وَلاَ رُعَافٍ وَلاَ حِجَامَةٍ وَلاَ شَيْءٍ خَرَجَ مِنْ الْجَسَدِ وَلاَ أُخْرِجَ مِنْهُ غَيْرِ الْفُرُوجِ الثَّلاَثَةِ الْقُبُلِ وَالدُّبُرِ وَالذَّكَرِ؛ لِأَنَّ الْوُضُوءَ لَيْسَ عَلَى نَجَاسَةِ مَا يَخْرُجُ، أَلاَ تَرَى أَنَّ الرِّيحَ تَخْرُجُ مِنْ الدُّبُرِ وَلاَ تُنَجِّسُ شَيْئًا فَيَجِبُ بِهَا الْوُضُوءُ كَمَا يَجِبُ بِالْغَائِطِ، وَأَنَّ الْمَنِيَّ غَيْرُ نَجَسٍ وَالْغُسْلُ يَجِبُ بِهِ، وَإِنَّمَا الْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ تَعَبُّدٌ، قَالَ‏:‏ وَإِذَا قَاءَ الرَّجُلُ غَسَلَ فَاهُ وَمَا أَصَابَ الْقَيْءُ مِنْهُ لاَ يَجْزِيهِ غَيْرُ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ إذَا رَعَفَ غَسَلَ مَا مَاسَّ الدَّمُ مِنْ أَنْفِهِ وَغَيْرِهِ وَلاَ يَجْزِيهِ غَيْرُ ذَلِكَ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ وُضُوءٌ، وَهَكَذَا إذَا خَرَجَ مِنْ جَسَدِهِ دَمٌ أَوْ قَيْحٌ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ النَّجَسِ، وَلاَ يُنَجِّسُ عَرَقُ جُنُبٍ وَلاَ حَائِضٍ مِنْ تَحْتِ مَنْكِبٍ وَلاَ مَأْبِضٍ وَلاَ مَوْضِعٍ مُتَغَيِّرٍ مِنْ الْجَسَدِ وَلاَ غَيْرِ مُتَغَيِّرٍ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ وَكَيْفَ لاَ يُنَجِّسُ عَرَقُ الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ‏؟‏ قِيلَ‏:‏ أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَائِضَ بِغَسْلِ دَمِ الْحَيْضِ مِنْ ثَوْبِهَا وَلَمْ يَأْمُرْهَا بِغَسْلِ الثَّوْبِ كُلِّهِ، وَالثَّوْبُ الَّذِي فِيهِ دَمُ الْحَيْضِ الْإِزَارُ وَلاَ شَكَّ فِي كَثْرَةِ الْعَرَقِ فِيهِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ أَنَّهُمَا كَانَا يَعْرَقَانِ فِي الثِّيَابِ وَهُمَا جُنُبَانِ ثُمَّ يُصَلِّيَانِ فِيهَا وَلاَ يَغْسِلاَنِهَا وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ غَيْرِهِمَا أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْت الْمُنْذِرِ قَالَتْ سَمِعْت جَدَّتِي أَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ تَقُولُ سَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ دَمِ الْحَيْضِ يُصِيبُ الثَّوْبَ فَقَالَ‏:‏ «حُتِّيهِ ثُمَّ اُقْرُصِيهِ بِالْمَاءِ ثُمَّ رُشِّيهِ ثُمَّ صَلِّي فِيهِ»‏.‏

أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهَا قَالَتْ سَأَلَتْ امْرَأَةٌ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ نَحْوَهُ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَعْرَقُ فِي الثَّوْبِ وَهُوَ جُنُبٌ ثُمَّ يُصَلِّي فِيهِ‏.‏

قَالَ وَمَنْ تَوَضَّأَ وَقَدْ قَاءَ فَلَمْ يَتَمَضْمَضْ أَوْ رَعَفَ فَلَمْ يَغْسِلْ مَا مَاسَّ الدَّمُ مِنْهُ أَعَادَ بَعْدَ مَا يُمَضْمِضُ وَيَغْسِلُ مَا مَاسَّ الدَّمُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى وَعَلَيْهِ نَجَاسَةٌ لاَ لِأَنَّ وُضُوءَهُ انْتَقَضَ‏.‏

باب الْوُضُوءِ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْم أَنَّهُ سَمِعَ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ يَقُولُ‏:‏ دَخَلْت عَلَى مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ فَتَذَاكَرْنَا مَا يَكُونُ مِنْهُ الْوُضُوءُ فَقَالَ مَرْوَانُ وَمِنْ مَسِّ الذَّكَرِ الْوُضُوءُ فَقَالَ عُرْوَةُ مَا عَلِمْتُ ذَلِكَ فَقَالَ مَرْوَانُ أَخْبَرَتْنِي بُسْرَةُ بِنْت صَفْوَانَ أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ «إذَا مَسَّ أَحَدُكُمْ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ»‏.‏

أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عَمْرٍو وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ الْهَاشِمِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ‏:‏ «إذَا أَفْضَى أَحَدُكُمْ بِيَدِهِ إلَى ذَكَرِهِ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ شَيْءٌ فَلْيَتَوَضَّأْ»‏.‏

أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ وَابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ «إذَا أَفْضَى أَحَدُكُمْ بِيَدِهِ إلَى ذَكَرِهِ فَلْيَتَوَضَّأْ» وَزَادَ ابْنُ نَافِعٍ فَقَالَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَمِعْت غَيْرَ وَاحِدٍ مِنْ الْحُفَّاظِ يَرْوِيهِ وَلاَ يَذْكُرُ فِيهِ جَابِرًا‏.‏

قال‏:‏ وَإِذَا أَفْضَى الرَّجُلُ بِبَطْنِ كَفِّهِ إلَى ذَكَرِهِ لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ سِتْرٌ وَجَبَ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ قَالَ وَسَوَاءٌ كَانَ عَامِدًا أَوْ غَيْرَ عَامِدٍ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَا أَوْجَبَ الْوُضُوءَ بِالْعَمْدِ أَوْجَبَهُ بِغَيْرِ الْعَمْدِ قَالَ وَسَوَاءٌ قَلِيلُ مَا مَاسَّ ذَكَرَهُ وَكَثِيرُهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ مَسَّ دُبُرَهُ أَوْ مَسَّ قُبُلَ امْرَأَتِهِ أَوْ دُبُرَهَا أَوْ مَسَّ ذَلِكَ مِنْ صَبِيٍّ أَوْجَبَ عَلَيْهِ الْوُضُوءَ، فَإِنْ مَسَّ أُنْثَيَيْهِ أَوْ أَلْيَتَيْهِ أَوْ رُكْبَتَيْهِ وَلَمْ يَمَسَّ ذَكَرَهُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ، وَسَوَاءٌ مَسَّ ذَلِكَ مِنْ حَيٍّ أَوْ مَيِّتٍ، وَإِنْ مَسَّ شَيْئًا مِنْ هَذَا مِنْ بَهِيمَةٍ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ وُضُوءٌ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْآدَمِيِّينَ لَهُمْ حُرْمَةٌ وَعَلَيْهِمْ تَعَبُّدٌ وَلَيْسَ لِلْبَهَائِمِ وَلاَ فِيهَا مِثْلُهَا، وَمَا مَاسَّ مِنْ مُحَرَّمٍ مِنْ رَطْبٍ دَمٍ أَوْ قَيْحٍ أَوْ غَيْرِهِ غَسَلَ مَا مَاسَّ مِنْهُ وَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ وُضُوءٌ‏.‏

وَإِنْ مَسَّ ذَكَرَهُ بِظَهْرِ كَفِّهِ أَوْ ذِرَاعِهِ أَوْ شَيْءٍ غَيْرِ بَطْنِ كَفِّهِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ فَمَا فَرْقٌ بَيْنَ مَا وَصَفْت‏؟‏ قِيلَ‏:‏ الْإِفْضَاءُ بِالْيَدِ إنَّمَا هُوَ بِبَطْنِهَا كَمَا تَقُولُ أَفْضَى بِيَدِهِ مُبَايِعًا وَأَفْضَى بِيَدِهِ إلَى الْأَرْضِ سَاجِدًا أَوْ إلَى رُكْبَتَيْهِ رَاكِعًا، فَإِذَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا أَمَرَ بِالْوُضُوءِ مِنْهُ إذَا أَفْضَى بِهِ إلَى ذَكَرِهِ فَمَعْلُومٌ أَنَّ ذَكَرَهُ يُمَاسُّ فَخِذَيْهِ وَمَا قَارَبَ مِنْ ذَلِكَ مِنْ جَسَدِهِ فَلاَ يُوجِبُ ذَلِكَ عَلَيْهِ بِدَلاَلَةِ السُّنَّةِ- وُضُوءًا فَكُلُّ مَا جَاوَزَ بَطْنَ الْكَفِّ كَمَا مَاسَّ ذَكَرَهُ مِمَّا وَصَفْت، وَإِذَا كَانَ مُمَاسَّتَانِ تُوجِبُ بِأَحَدِهِمَا وَلاَ تُوجِبُ بِالْأُخْرَى وُضُوءًا كَانَ الْقِيَاسُ عَلَى أَنْ لاَ يَجِبَ وُضُوءٌ مِمَّا لَمْ يَمَسَّا؛ لِأَنَّ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَا مَاسَّ مَا هُوَ أَنْجَسُ مِنْ الذَّكَرِ لاَ يَتَوَضَّأُ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ هِشَامٍ عَنْ فَاطِمَةَ عَنْ أَسْمَاءَ قَالَتْ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ دَمِ الْحَيْضِ يُصِيبُ الثَّوْبَ قَالَ‏:‏ «حُتِّيهِ ثُمَّ اُقْرُصِيهِ بِالْمَاءِ ثُمَّ رُشِّيهِ وَصَلِّي فِيهِ»‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِذَا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِدَمِ الْحَيْضِ أَنْ يُغْسَلَ بِالْيَدِ وَلَمْ يَأْمُرْ بِالْوُضُوءِ مِنْهُ فَالدَّمُ أَنْجَسُ مِنْ الذَّكَرِ‏.‏

قال‏:‏ وَكُلُّ مَا مَاسَّ مِنْ نَجَسٍ قِيَاسًا عَلَيْهِ بِأَنْ لاَ يَكُونَ مِنْهُ وُضُوءٌ، وَإِذَا كَانَ هَذَا فِي النَّجَسِ فَمَا لَيْسَ بِنَجَسٍ أَوْلَى أَنْ لاَ يُوجِبَ وُضُوءًا إلَّا مَا جَاءَ فِيهِ الْخَبَرُ بِعَيْنِهِ‏.‏

قال‏:‏ وَإِذَا مَاسَّ نَجَسًا رَطْبًا أَوْ نَجَسًا يَابِسًا وَهُوَ رَطْبٌ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَغْسِلَ مَا مَاسَّهُ مِنْهُ، وَمَا مَاسَّهُ مِنْ نَجَسٍ لَيْسَ بِرَطْبٍ وَلَيْسَ مَا مَاسَّ مِنْهُ رَطْبًا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ غَسْلُهُ وَيَطْرَحُهُ عَنْهُ، أَخْبَرَنَا مُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ‏:‏ إنَّ الرِّيحَ لَتُسْفِي عَلَيْنَا الرَّوْثَ وَالْخَرْءَ الْيَابِسَ فَيُصِيبُ وُجُوهَنَا وَثِيَابَنَا فَنَنْفُضُهُ أَوْ قَالَ فَنَمْسَحُهُ ثُمَّ لاَ نَتَوَضَّأُ وَلاَ نَغْسِلُهُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَكُلُّ مَا قُلْتُ يُوجِبُ الْوُضُوءَ عَلَى الرَّجُلِ فِي ذَكَرِهِ أَوْجَبَ عَلَى الْمَرْأَةِ إذَا مَسَّتْ فَرْجَهَا أَوْ مَسَّتْ ذَلِكَ مِنْ زَوْجِهَا كَالرَّجُلِ لاَ يَخْتَلِفَانِ، أَخْبَرَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ الرَّبِيعُ أَظُنُّهُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ إذَا مَسَّتْ الْمَرْأَةُ فَرْجَهَا تَوَضَّأَتْ‏.‏

قَالَ وَإِذَا مَسَّ الرَّجُلُ ذَكَرَهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ شَيْءٌ مَا كَانَ إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ مُفْضٍ إلَيْهِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ وُضُوءٌ فِيهِ رَقَّ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ أَوْ صَفَقَ‏.‏

باب لاَ وُضُوءَ مِمَّا يَطْعَمُ أَحَدٌ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا جَعْفَرُ بْنُ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيُّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكَلَ كَتِفَ شَاةٍ ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَبِهَذَا نَأْخُذُ فَمَنْ أَكَلَ شَيْئًا مَسَّتْهُ نَارٌ أَوْ لَمْ تَمَسَّهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ وُضُوءٌ، وَكَذَلِكَ لَوْ اُضْطُرَّ إلَى مَيْتَةٍ فَأَكَلَ مِنْهَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ وُضُوءٌ مِنْهُ أَكَلَهَا نِيئَةً أَوْ نَضِيجَةً وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَغْسِلَ يَدَهُ وَفَاهُ وَمَا مَسَّتْ الْمَيْتَةُ مِنْهُ لاَ يَجْزِيهِ غَيْرُ ذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ غَسَلَهُ وَأَعَادَ كُلَّ صَلاَةٍ صَلَّاهَا بَعْدَ أَكْلِهَا وَقَبْلَ غَسْلِهِ مَا مَاسَّتْ الْمَيْتَةُ مِنْهُ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مُحَرَّمٍ أَكْلُهُ لَمْ تَجُزْ لَهُ الصَّلاَةُ حَتَّى يَغْسِلَ مَا مَاسَّ مِنْهُ مِنْ يَدَيْهِ وَفِيهِ وَشَيْءٍ أَصَابَهُ، غَيْرِهِمَا وَكُلُّ حَلاَلٍ أَكْلُهُ أَوْ شُرْبُهُ فَلاَ وُضُوءَ مِنْهُ كَانَ ذَا رِيحٍ أَوْ غَيْرَ ذِي رِيحٍ شَرِبَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَبَنًا وَلَمْ يَتَمَضْمَضْ قَالَ‏:‏ مَا بَالَيْتُهُ بَالَةً‏.‏

باب الْكَلاَمِ وَالْأَخْذِ مِنْ الشَّارِبِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ وَلاَ وُضُوءَ مِنْ كَلاَمٍ وَإِنْ عَظُمَ وَلاَ ضَحِكٍ فِي صَلاَةٍ وَلاَ غَيْرِهَا‏.‏

قال‏:‏ وَرَوَى ابْنُ شِهَابٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ «مَنْ حَلَفَ بِاللَّاتِ فَلْيَقُلْ لاَ إلَهَ إلَّا اللَّهُ» قَالَ ابْنُ شِهَابٍ وَلَمْ يَبْلُغْنِي أَنَّهُ ذَكَرَ فِي ذَلِكَ وُضُوءًا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلاَ وُضُوءَ فِي ذَلِكَ وَلاَ فِي أَذَى أَحَدٍ وَلاَ قَذْفٍ وَلاَ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ سَبِيلِ الْأَحْدَاثِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ وَرَوَى الْعَلاَءُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ «أَعْفُوا اللِّحَى وَخُذُوا مِنْ الشَّوَارِبِ وَغَيِّرُوا الشَّيْبَ وَلاَ تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ»‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَمَنْ تَوَضَّأَ ثُمَّ أَخَذَ مِنْ أَظْفَارِهِ وَرَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ وَشَارِبِهِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إعَادَةُ وُضُوءٍ وَهَذَا زِيَادَةُ نَظَافَةٍ وَطَهَارَةٍ، وَكَذَلِكَ إنْ اسْتَحَدَّ وَلَوْ أَمَرَّ الْمَاءَ عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ بِذَلِكَ بَأْسٌ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ شَيْءٌ وَكَذَلِكَ كُلُّ حَلاَلٍ أَكْلُهُ- لَهُ رِيحٌ أَوْ لاَ رِيحَ لَهُ- وَشُرْبُهُ لَبَنٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ مَاسَّ ذَلِكَ الْحَلاَلُ جَسَدَهُ وَثَوْبَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ غَسْلُهُ قَدْ شَرِبَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَبَنًا وَصَلَّى وَلَمْ يَمَسَّ مَاءً‏.‏

باب فِي الِاسْتِنْجَاءِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى‏:‏ ‏{‏إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إلَى الْكَعْبَيْنِ‏}‏‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى الْوُضُوءَ وَكَانَ مَذْهَبُنَا أَنَّ ذَلِكَ إذَا قَامَ النَّائِمُ مِنْ نَوْمِهِ‏.‏

قال‏:‏ وَكَانَ النَّائِمُ يَقُومُ مِنْ نَوْمِهِ لاَ مُحْدِثًا خَلاَءً وَلاَ بَوْلاً فَكَانَ الْوُضُوءُ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِدَلاَلَةِ السُّنَّةِ عَلَى مَنْ لَمْ يُحْدِثْ غَائِطًا وَلاَ بَوْلاً دُونَ مَنْ أَحْدَثَ غَائِطًا أَوْ بَوْلاً؛ لِأَنَّهُمَا نَجِسَانِ يُمَاسَّانِ بَعْضَ الْبَدَنِ‏.‏

قال‏:‏ وَلاَ اسْتِنْجَاءَ عَلَى أَحَدٍ وَجَبَ عَلَيْهِ وُضُوءٌ إلَّا بِأَنْ يَأْتِيَ مِنْهُ غَائِطٌ أَوْ بَوْلٌ فَيَسْتَنْجِيَ بِالْحِجَارَةِ أَوْ الْمَاءِ‏.‏ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلاَنَ عَنْ الْقَعْقَاعِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ «إنَّمَا أَنَا لَكُمْ مِثْلُ الْوَالِدِ فَإِذَا ذَهَبَ أَحَدُكُمْ إلَى الْغَائِطِ فَلاَ يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ وَلاَ يَسْتَدْبِرُهَا بِغَائِطٍ وَلاَ بَوْلٍ وَلْيَسْتَنْجِ بِثَلاَثَةِ أَحْجَارٍ»‏.‏ وَنَهَى عَنْ الرَّوْثِ وَالرِّمَّةِ وَأَنْ يَسْتَنْجِيَ الرَّجُلُ بِيَمِينِهِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ الرِّمَّةُ الْعَظْمُ الْبَالِي قَالَ الشَّاعِرُ أَمَّا عِظَامُهَا فَرِمٌّ وَأَمَّا لَحْمُهَا فَصَلِيبُ‏.‏

أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ قَالَ أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو وَجْزَةَ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي الِاسْتِنْجَاءِ بِثَلاَثَةِ أَحْجَارٍ وَنَهَى عَنْ الرَّوْثِ وَالرِّمَّةِ وَأَنْ يَسْتَنْجِيَ الرَّجُلُ بِيَمِينِهِ وَالثَّلاَثَةُ الْأَحْجَارُ لَيْسَ فِيهِنَّ رَجِيعٌ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَمَنْ تَخَلَّى أَوْ بَالَ لَمْ يُجْزِهِ إلَّا أَنْ يَتَمَسَّحَ بِثَلاَثَةِ أَحْجَارٍ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ أَوْ آجُرَّاتٍ أَوْ مَقَابِسَ أَوْ مَا كَانَ طَاهِرًا نَظِيفًا مِمَّا أَنْقَى نَقَاءَ الْحِجَارَةِ إذَا كَانَ مِثْلَ التُّرَابِ وَالْحَشِيشِ وَالْخَزَفِ وَغَيْرِهَا‏.‏

قَالَ وَإِنْ وَجَدَ حَجَرًا أَوْ آجُرَّةً أَوْ صِوَانَةً لَهَا بِثَلاَثِ وُجُوهٍ فَامْتَسَحَ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا امْتِسَاحَةً كَانَتْ كَثَلاَثَةِ أَحْجَارٍ امْتَسَحَ بِهَا فَإِنْ امْتَسَحَ بِثَلاَثَةِ أَحْجَارٍ فَعَلِمَ أَنَّهُ أَبْقَى أَثَرًا لَمْ يُجْزِهِ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ مِنْ الِامْتِسَاحِ عَلَى مَا يَرَى أَنَّهُ لَمْ يُبْقِ أَثَرًا قَائِمًا فَأَمَّا أَثَرٌ لاَصِقٌ لاَ يُخْرِجُهُ إلَّا الْمَاءُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ إنْقَاؤُهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ جَهِدَ لَمْ يُنَقِّهِ بِغَيْرِ مَاءٍ‏.‏

قَالَ وَلاَ يَمْتَسِحُ بِحَجَرٍ عَلِمَ أَنَّهُ امْتَسَحَ بِهِ مَرَّةً إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَصَابَهُ مَاءٌ طَهَّرَهُ فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ طُهْرَهُ بِمَاءٍ لَمْ يُجْزِهِ الِامْتِسَاحُ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ أَثَرٌ وَكَذَلِكَ لَوْ غَسَلَ بِمَاءِ الشَّجَرِ حَتَّى يَذْهَبَ مَا فِيهِ لَمْ يُجْزِهِ الِامْتِسَاحُ بِهِ وَلاَ يُطَهِّرُهُ إلَّا الْمَاءُ الَّذِي يُطَهِّرُ الْأَنْجَاسَ‏.‏

قَالَ وَلاَ يَسْتَنْجِي بِرَوْثَةٍ لِلْخَبَرِ فِيهِ فَإِنَّهَا مِنْ الْأَنْجَاسِ؛ لِأَنَّهَا رَجِيعٌ وَكَذَلِكَ كُلُّ رَجِيعٍ نَجِسٍ وَلاَ بِعَظْمٍ لِلْخَبَرِ فِيهِ فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ نَجِسٍ فَلَيْسَ بِنَظِيفٍ وَإِنَّمَا الطَّهَارَةُ بِنَظِيفٍ طَاهِرٍ وَلاَ أَعْلَمُ شَيْئًا فِي مَعْنَى الْعَظْمِ إلَّا جِلْدَ ذَكِيٍّ غَيْرَ مَدْبُوغٍ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِنَظِيفٍ وَإِنْ كَانَ طَاهِرًا فَأَمَّا الْجِلْدُ الْمَدْبُوغُ فَنَظِيفٌ طَاهِرٌ فَلاَ بَأْسَ أَنْ يَسْتَنْجِيَ بِهِ‏.‏

قَالَ وَيَسْتَنْجِي الرَّقِيقُ الْبَطْنِ وَالْغَلِيظُ بِالْحِجَارَةِ وَمَا قَامَ مَقَامَهَا مَا لَمْ يَعْدُ الْخَلاَءُ مَا حَوْلَ مَخْرَجِهِ مِمَّا أَقْبَلَ عَلَيْهِ مِنْ بَاطِنِ الْأَلْيَتَيْنِ فَإِنْ خَرَجَ عَنْ ذَلِكَ أَجْزَأَهُ فِيمَا بَيْنَ الْأَلْيَتَيْنِ أَنْ يَسْتَنْجِيَ بِالْحِجَارَةِ وَلَمْ يُجْزِهِ فِيمَا انْتَشَرَ فَخَرَجَ عَنْهُمَا إلَّا الْمَاءُ وَلَمْ يَزَلْ فِي النَّاسِ أَهْلُ رِقَّةِ بُطُونٍ وَغِلَظِهَا وَأَحْسَبُ رِقَّةَ الْبَطْنِ كَانَتْ فِي الْمُهَاجِرِينَ أَكْثَرَ لِأَكْلِهِمْ التَّمْرَ وَكَانُوا يَقْتَاتُونَهُ وَهُمْ الَّذِينَ أَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالِاسْتِنْجَاءِ‏.‏

قَالَ وَالِاسْتِنْجَاءُ مِنْ الْبَوْلِ مِثْلُهُ مِنْ الْخَلاَءِ لاَ يَخْتَلِفُ وَإِذَا انْتَشَرَ الْبَوْلُ عَلَى مَا أَقْبَلَ عَلَى الثُّقْبِ أَجْزَأَهُ الِاسْتِنْجَاءُ وَإِذَا انْتَشَرَ حَتَّى تَجَاوَزَ ذَلِكَ لَمْ يُجْزِهِ فِيمَا جَاوَزَ ذَلِكَ إلَّا الْمَاءُ‏.‏ وَيَسْتَبْرِئُ الْبَائِلُ مِنْ الْبَوْلِ لِئَلَّا يَقْطُرَ عَلَيْهِ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَسْتَبْرِئَ مِنْ الْبَوْلِ وَيُقِيمَ سَاعَةً قَبْلَ الْوُضُوءِ ثُمَّ يَنْثُرَ ذَكَرَهُ قَبْلَ الِاسْتِنْجَاءِ ثُمَّ يَتَوَضَّأَ‏.‏

قَالَ وَإِذَا اسْتَنْجَى رَجُلٌ بِشَيْءٍ غَيْرِ الْمَاءِ لَمْ يُجْزِهِ أَقَلُّ مِنْ ثَلاَثَةِ أَحْجَارٍ وَإِنْ أَنْقَى وَالِاسْتِنْجَاءُ كَافٍ وَلَوْ جَمَعَهُ رَجُلٌ ثُمَّ غَسَلَ بِالْمَاءِ كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ وَيُقَالَ إنَّ قَوْمًا مِنْ الْأَنْصَارِ اسْتَنْجَوْا بِالْمَاءِ فَنَزَلَتْ فِيهِمْ‏:‏ ‏{‏فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاَللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِرِينَ‏}‏‏.‏

وَإِذَا اقْتَصَرَ الْمُسْتَنْجِي عَلَى الْمَاءِ دُونَ الْحِجَارَةِ أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّهُ أَنْقَى مِنْ الْحِجَارَةِ وَإِذَا اسْتَنْجَى بِالْمَاءِ فَلاَ عَدَدَ فِي الِاسْتِنْجَاءِ إلَّا أَنْ يَبْلُغَ مِنْ ذَلِكَ مَا يَرَى أَنَّهُ قَدْ أَنْقَى كُلَّ مَا هُنَالِكَ وَلاَ أَحْسَبُ ذَلِكَ يَكُونُ إلَّا فِي أَكْثَرَ مِنْ ثَلاَثِ مَرَّاتٍ وَثَلاَثٍ فَأَكْثَرَ‏.‏

قال‏:‏ وَإِنْ كَانَتْ بِرَجُلٍ بَوَاسِيرُ وَقُرُوحٌ قُرْبَ الْمَقْعَدَةِ أَوْ فِي جَوْفِهَا فَسَالَتْ دَمًا أَوْ قَيْحًا أَوْ صَدِيدًا لَمْ يُجْزِهِ فِيهِ إلَّا الِاسْتِنْجَاءُ بِالْمَاءِ وَلاَ يَجْزِيهِ الْحِجَارَةُ وَالْمَاءُ طَهَارَةُ الْأَنْجَاسِ كُلِّهَا وَالرُّخْصَةُ فِي الِاسْتِنْجَاءِ بِالْحِجَارَةِ فِي مَوْضِعِهَا لاَ يُعَدَّى بِهَا مَوْضِعَهَا وَكَذَلِكَ الْخَلاَءُ وَالْبَوْلُ إذَا عَدَّوْا مَوْضِعَهُمَا فَأَصَابُوا غَيْرَهُ مِنْ الْجَسَدِ لَمْ يُطَهِّرْهُمَا إلَّا الْمَاءُ وَيَسْتَنْجِي بِالْحِجَارَةِ فِي الْوُضُوءِ مَنْ يَجِدُ الْمَاءَ وَمَنْ لاَ يَجِدُهُ‏.‏

وَإِذَا تَخَلَّى رَجُلٌ وَلَمْ يَجِدْ الْمَاءَ وَهُوَ مِمَّنْ لَهُ التَّيَمُّمُ لَمْ يُجْزِهِ إلَّا الِاسْتِنْجَاءُ ثُمَّ التَّيَمُّمُ وَإِنْ تَيَمَّمَ ثُمَّ اسْتَنْجَى لَمْ يُجْزِهِ ذَلِكَ حَتَّى يَكُونَ التَّيَمُّمُ بَعْدَ الِاسْتِنْجَاءِ قَالَ الرَّبِيعُ وَفِيهِ قَوْلٌ ثَانٍ لِلشَّافِعِيِّ يُجْزِئُهُ التَّيَمُّمُ قَبْلَ الِاسْتِنْجَاءِ وَإِذَا كَانَ قَدْ اسْتَنْجَى بَعْدَهُ لَمْ يَمَسَّ ذَكَرَهُ وَلاَ دُبُرَهُ بِيَدِهِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِذَا وَجَبَ عَلَى الرَّجُلِ الْغُسْلُ لَمْ يُجْزِهِ فِي مَوْضِعِ الِاسْتِنْجَاءِ إلَّا الْغُسْلُ‏.‏

باب السِّوَاكِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ «لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأََمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ وُضُوءٍ وَبِتَأْخِيرِ الْعِشَاءِ»‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ ابْنِ أَبِي عَتِيقٍ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ «السِّوَاكُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ»‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ السِّوَاكَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَأَنَّهُ اخْتِيَارٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ وَاجِبًا لاََمَرَهُمْ بِهِ شَقَّ عَلَيْهِمْ أَوْ لَمْ يَشُقَّ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَاسْتُحِبَّ السِّوَاكُ عِنْدَ كُلِّ حَالٍ يَتَغَيَّرُ فِيهِ الْفَمُ وَعِنْدَ الِاسْتِيقَاظِ مِنْ النَّوْمِ وَالْأَزْمِ وَأَكْلِ كُلِّ مَا يُغَيِّرُ الْفَمَ وَشُرْبِهِ وَعِنْدَ الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا وَمَنْ تَرَكَهُ وَصَلَّى فَلاَ يُعِيدُ صَلاَتَهُ وَلاَ يَجِبُ عَلَيْهِ وُضُوءٌ‏.‏

باب غُسْلِ الْيَدَيْنِ قَبْلَ الْوُضُوءِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ ذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْوُضُوءَ فَبَدَأَ فِيهِ بِغَسْلِ الْوَجْهِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْوُضُوءَ عَلَى مَنْ قَامَ مِنْ النَّوْمِ كَمَا ذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَعَلاَ دُونَ الْبَائِلِ وَالْمُتَغَوِّطِ؛ لِأَنَّ النَّائِمَ لَمْ يُحْدِثْ خَلاَءً وَلاَ بَوْلاً وَأُحِبُّ غَسْلَ الْيَدَيْنِ قَبْلَ إدْخَالِهِمَا الْإِنَاءَ لِلْوُضُوءِ لِلسُّنَّةِ لاَ لِلْفَرْضِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ «إذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلْيَغْسِلْ يَدَيْهِ قَبْلَ إدْخَالِهِمَا فِي الْوُضُوءِ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لاَ يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ»‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ «إذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ مَنَامِهِ فَلاَ يَغْمِسُ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلاَثًا فَإِنَّهُ لاَ يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ» أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِذَا أَدْخَلَ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ قَبْلَ أَنْ يَغْسِلَهَا وَهُوَ لاَ يَسْتَيْقِنُ أَنَّ شَيْئًا مِنْ النَّجَاسَةِ مَاسَّهَا لَمْ يَفْسُدْ وُضُوءُهُ وَكَذَلِكَ إنْ شَكَّ أَنْ يَكُونَ مَاسَّهَا فَإِنْ كَانَ الْيَدُ قَدْ مَاسَّتْهُ نَجَاسَةٌ فَأَدْخَلَهَا فِي وُضُوئِهِ فَإِنْ كَانَ الْمَاءُ الَّذِي تَوَضَّأَ بِهِ أَقَلَّ مِنْ قُلَّتَيْنِ فَسَدَ الْمَاءُ فَأَهْرَاقَهُ وَغَسَلَ مِنْهُ الْإِنَاءَ وَتَوَضَّأَ بِمَاءٍ غَيْرِهِ لاَ يُجْزِئُهُ غَيْرُ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ لَمْ يَفْسُدْ الْمَاءُ وَتَوَضَّأَ وَطَهُرَتْ يَدُهُ بِدُخُولِهَا الْمَاءَ إنْ كَانَتْ نَجَاسَةً لاَ أَثَرَ لَهَا وَلَوْ كَانَتْ نَجَاسَةً لَهَا أَثَرٌ أَخْرَجَهَا وَغَسَلَهَا حَتَّى يَذْهَبَ الْأَثَرُ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ‏.‏

باب الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى‏:‏ ‏{‏إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إلَى الْمَرَافِقِ‏}‏ الآيَةَ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَلَمْ أَعْلَمْ مُخَالِفًا فِي أَنَّ الْوَجْهَ الْمَفْرُوضَ غَسْلُهُ فِي الْوُضُوءِ- مَا ظَهَرَ دُونَ مَا بَطَنَ وَأَنْ لَيْسَ عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يَغْسِلَ عَيْنَيْهِ وَلاَ أَنْ يَنْضَحَ فِيهِمَا فَكَانَتْ الْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ أَقْرَبَ إلَى الظُّهُورِ مِنْ الْعَيْنَيْنِ وَلَمْ أَعْلَمْ الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ عَلَى الْمُتَوَضِّئِ فَرْضًا وَلَمْ أَعْلَمْ اخْتِلاَفًا فِي أَنَّ الْمُتَوَضِّئَ لَوْ تَرَكَهُمَا عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا وَصَلَّى لَمْ يُعِدْ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَبْدَأَ الْمُتَوَضِّئُ بَعْدَ غَسْلِ يَدَيْهِ أَنْ يَتَمَضْمَضَ وَيَسْتَنْشِقَ ثَلاَثًا يَأْخُذَ بِكَفِّهِ غَرْفَةً لِفِيهِ وَأَنْفِهِ وَيُدْخِلَ الْمَاءَ أَنْفَهُ وَيَسْتَبْلِغَ بِقَدْرِ مَا يَرَى أَنَّهُ يَأْخُذُ بِخَيَاشِيمِهِ وَلاَ يَزِيدَ عَلَى ذَلِكَ وَلاَ يَجْعَلَهُ كَالسَّعُوطِ وَإِنْ كَانَ صَائِمًا رَفَقَ بِالِاسْتِنْشَاقِ لِئَلَّا يَدْخُلَ رَأْسَهُ وَإِنَّمَا أَكَّدْت الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ دُونَ غَسْلِ الْعَيْنَيْنِ لِلسُّنَّةِ وَأَنَّ الْفَمَ يَتَغَيَّرُ وَكَذَلِكَ الْأَنْفُ وَأَنَّ الْمَاءَ يَقْطَعُ مِنْ تَغَيُّرِهِمَا وَلَيْسَتْ كَذَلِكَ الْعَيْنَانِ وَإِنْ تَرَكَ مُتَوَضِّئٌ أَوْ جُنُبٌ الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ وَصَلَّى لَمْ تَكُنْ عَلَيْهِ إعَادَةٌ لِمَا وَصَفْت وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ لاَ يَدَعَهُمَا وَإِنْ تَرَكَهُمَا أَنْ يَتَمَضْمَضَ وَيَسْتَنْشِقَ‏.‏

باب غُسْلِ الْوَجْهِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ‏}‏ فَكَانَ مَعْقُولاً أَنَّ الْوَجْهَ مَا دُونَ مَنَابِتِ شَعْرِ الرَّأْسِ إلَى الْأُذُنَيْنِ وَاللَّحْيَيْنِ وَالذَّقَنِ وَلَيْسَ مَا جَاوَزَ مَنَابِتَ شَعْرِ الرَّأْسِ الْأَغَمِّ مِنْ النَّزْعَتَيْنِ مِنْ الرَّأْسِ وَكَذَلِكَ أَصْلَعُ مُقَدَّمِ الرَّأْسِ لَيْسَتْ صَلْعَتُهُ مِنْ الْوَجْهِ وَأَحَبُّ إلَيَّ لَوْ غَسَلَ النَّزْعَتَيْنِ مَعَ الْوَجْهِ وَإِنْ تَرَكَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فِي تَرْكِهِ شَيْءٌ فَإِذَا خَرَجَتْ لِحْيَةُ الرَّجُلِ فَلَمْ تَكْثُرْ حَتَّى تُوَارِيَ مِنْ وَجْهِهِ شَيْئًا فَعَلَيْهِ غُسْلُ الْوَجْهِ كَمَا كَانَ قَبْلَ أَنْ تَنْبُتَ فَإِذَا كَثُرَتْ حَتَّى تَسْتُرَ مَوْضِعَهَا مِنْ الْوَجْهِ فَالِاحْتِيَاطُ غَسْلُهَا كُلُّهَا وَلاَ أَعْلَمُهُ يَجِبُ غَسْلُهَا كُلُّهَا وَإِنَّمَا قُلْت لاَ أَعْلَمُ يَجِبُ غَسْلُهَا كُلُّهَا بِقَوْلِ الْأَكْثَرِ وَالْأَعَمِّ مِمَّنْ لَقِيت وَحُكِيَ لِي عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَبِأَنَّ الْوَجْهَ نَفْسَهُ مَا لاَ شَعْرَ عَلَيْهِ إلَّا شَعْرُ الْحَاجِبِ وَأَشْفَارُ الْعَيْنَيْنِ وَالشَّارِبُ وَالْعَنْفَقَةُ‏.‏ أَلاَ تَرَى أَنَّهُ وَجْهٌ دُونَ مَا أَقْبَلَ مِنْ الرَّأْسِ وَمَا أَقْبَلَ مِنْ الرَّأْسِ وَجْهٌ فِي الْمَعْنَى؛ لِأَنَّهُ مُوَاجِهٌ وَإِنَّمَا كَانَ مَا وَصَفْت مِنْ حَاجِبٍ وَشَارِبٍ وَعَنْفَقَةٍ وَعَلَيْهِ شَعْرٌ وَجْهًا مِنْ أَنَّ كُلَّهُ مَحْدُودٌ مِنْ أَعْلاَهُ وَأَسْفَلِهِ بِشَيْءٍ مِنْ الْوَجْهِ مَكْشُوفٍ، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ مِنْ الْوَجْهِ مَكْشُوفًا لاَ يُغْسَلُ وَلاَ أَنْ يَكُونَ الْوَجْهُ فَهُوَ وَاحِدٌ مُنْقَطِعًا أَسْفَلُهُ وَأَعْلاَهُ وَجَنْبَاهُ وَجْهٌ وَمَا بَيْنَ هَذَا لَيْسَ بِوَجْهٍ وَاللِّحْيَةُ فَهِيَ شَيْئَانِ فَعَذَارُ اللِّحْيَةِ الْمُتَّصِلُ بِالصُّدْغَيْنِ الَّذِي مِنْ وَرَائِهِ شَيْءٌ مِنْ الْوَجْهِ وَالْوَاصِلُ بِهِ الْقَلِيلُ الشَّعْرِ فِي حُكْمِ الْحَاجِبَيْنِ لاَ يُجْزِئُ فِيهِ إلَّا الْغُسْلُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ مَحْدُودٌ بِالْوَجْهِ كَمَا وَصَفْت وَأَنَّ شَعْرَهُ لاَ يَكْثُرُ عَنْ أَنْ يَنَالَهُ الْمَاءُ كَمَا يَنَالَ الْحَاجِبَيْنِ وَالشَّارِبَيْنِ وَالْعَنْفَقَةَ وَهِيَ عَلَى الذَّقَنِ وَمَا وَالَى الذَّقَنَ مِنْ اللَّحْيَيْنِ فَهَذَا مُجْتَمَعُ اللِّحْيَةِ بِمُنْقَطِعِ اللِّحْيَةِ فَيُجْزِئُ فِي هَذَا أَنْ يَغْسِلَ ظَاهِرَ شَعْرِهِ مَعَ غَسْلِ شَعْرِ الْوَجْهِ وَلاَ يُجْزِئُ تَرْكُهُ مِنْ الْمَاءِ وَلاَ أَرَى مَا تَحْتَ مَنَابِتِ مُجْتَمَعِ اللِّحْيَةِ وَاجِبَ الْغُسْلِ وَإِذَا لَمْ يَجِبْ غَسْلُهُ لَمْ يَجِبْ تَخْلِيلُهُ، وَيُمِرُّ الْمَاءَ عَلَى ظَهْرِ شَعْرِ اللِّحْيَةِ كَمَا يُمِرُّهُ عَلَى وَجْهِهِ وَمَا مَسَحَ مِنْ مَظَاهِرِ شَعْرِ الرَّأْسِ لاَ يُجْزِيهِ غَيْرُ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ إبِطًا أَوْ كَانَ مَا بَيْنَ مَنَابِتِ لِحْيَتِهِ مُنْقَطِعًا بَادِيًا مِنْ الْوَجْهِ لَمْ يُجْزِهِ إلَّا غَسْلُهُ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ بَعْضُ شَعْرِ اللِّحْيَةِ قَلِيلاً كَشَعْرِ الْعَنْفَقَةِ وَالشَّارِبِ وَعِذَارِ اللِّحْيَةِ لَمْ يُجْزِهِ إلَّا غَسْلُهُ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ اللِّحْيَةُ كُلُّهَا قَلِيلاً لاَصِقَةً كَهِيَ حِينَ تَنْبُتُ وَجَبَ عَلَيْهِ غَسْلُهَا إنَّمَا لاَ يَجِبُ عَلَيْهِ غَسْلُهَا إذَا كَثُرَتْ فَكَانَتْ إذَا أَسْبَغَ الْمَاءَ عَلَى اللِّحْيَةِ حَالَ الشَّعْرُ لِكَثْرَتِهِ دُونَ الْبَشَرَةِ فَإِذَا كَانَتْ هَكَذَا لَمْ يَجِبْ غَسْلُ مَا كَانَ هَكَذَا مِنْ مُجْتَمَعِ اللِّحْيَةِ، وَوَجَبَ عَلَيْهِ إمْرَارُ الْمَاءِ عَلَيْهَا بَالِغًا مِنْهَا حَيْثُ بَلَغَ كَمَا يَصْنَعُ فِي الْوَجْهِ وَأُحِبُّ أَنْ يُمِرَّ الْمَاءَ عَلَى جَمِيعِ مَا سَقَطَ مِنْ اللِّحْيَةِ عَنْ الْوَجْهِ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَأَمْرُهُ عَلَى مَا عَلَى الْوَجْهِ فَفِيهَا قَوْلاَنِ‏:‏ أَحَدُهُمَا لاَ يَجْزِيهِ؛ لِأَنَّ اللِّحْيَةَ تَنْزِلُ وَجْهًا وَالْآخَرُ يَجْزِيهِ إذَا أَمَرَّهُ عَلَى مَا عَلَى الْوَجْهِ مِنْهُ‏.‏

باب غَسْلِ الْيَدَيْنِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏وَأَيْدِيَكُمْ إلَى الْمَرَافِقِ‏}‏ فَلَمْ أَعْلَمْ مُخَالِفًا فِي أَنَّ الْمَرَافِقَ مِمَّا يُغْسَلُ كَأَنَّهُمْ ذَهَبُوا إلَى أَنَّ مَعْنَاهَا فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إلَى أَنْ تُغْسَلَ الْمَرَافِقُ وَلاَ يَجْزِي فِي غَسْلِ الْيَدَيْنِ أَبَدًا إلَّا أَنْ يُؤْتَى عَلَى مَا بَيْنَ أَطْرَافِ الْأَصَابِعِ إلَى أَنْ تُغْسَلَ الْمَرَافِقُ وَلاَ يَجْزِي إلَّا أَنْ يُؤْتَى بِالْغُسْلِ عَلَى ظَاهِرِ الْيَدَيْنِ وَبَاطِنِهِمَا وَحُرُوفِهِمَا حَتَّى يَنْقَضِيَ غَسْلُهُمَا وَإِنْ تُرِكَ مِنْ هَذَا شَيْءٌ وَإِنْ قَلَّ لَمْ يَجُزْ وَيَبْدَأُ بِالْيُمْنَى مِنْ يَدَيْهِ قَبْلَ الْيُسْرَى فَإِنْ بَدَأَ بِالْيُسْرَى قَبْلَ الْيُمْنَى كَرِهْت ذَلِكَ وَلاَ أَرَى عَلَيْهِ إعَادَةً‏.‏

وَإِذَا كَانَ الْمُتَوَضِّئُ أَقْطَعَ غَسَلَ مَا بَقِيَ حَتَّى يَغْسِلَ الْمِرْفَقَيْنِ فَإِنْ كَانَ أَقْطَعَهُمَا مِنْ فَوْقِ الْمِرْفَقَيْنِ غَسَلَ مَا بَقِيَ مِنْ الْمِرْفَقَيْنِ وَإِنْ كَانَ أَقْطَعَهُمَا مِنْ الْمِرْفَقَيْنِ وَلَمْ يَبْقَ مِنْ الْمِرْفَقَيْنِ شَيْءٌ فَقَدْ ارْتَفَعَ عَنْهُ فَرْضُ غَسْلِ الْيَدَيْنِ وَأَحَبُّ إلَيَّ لَوْ أَمَسَّ أَطْرَافَ مَا بَقِيَ مِنْ يَدَيْهِ أَوْ مَنْكِبَيْهِ غَسْلاً وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ لَمْ يَضُرَّهُ ذَلِكَ‏.‏

باب مَسْحِ الرَّأْسِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ‏}‏ وَكَانَ مَعْقُولاً فِي الآيَةِ أَنَّ مَنْ مَسَحَ مِنْ رَأْسِهِ شَيْئًا فَقَدْ مَسَحَ بِرَأْسِهِ وَلَمْ تَحْتَمِلْ الْآيَةُ إلَّا هَذَا وَهُوَ أَظْهَرُ مَعَانِيهَا أَوْ مَسَحَ الرَّأْسَ كُلَّهُ وَدَلَّتْ السُّنَّةُ عَلَى أَنْ لَيْسَ عَلَى الْمَرْءِ مَسْحُ الرَّأْسِ كُلِّهِ وَإِذَا دَلَّتْ السُّنَّةُ عَلَى ذَلِكَ فَمَعْنَى الآيَةِ أَنَّ مَنْ مَسَحَ شَيْئًا مِنْ رَأْسِهِ أَجْزَأَهُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ إذَا مَسَحَ الرَّجُلُ بِأَيِّ رَأْسِهِ شَاءَ إنْ كَانَ لاَ شَعْرَ عَلَيْهِ وَبِأَيِّ شَعْرِ رَأْسِهِ شَاءَ بِأُصْبُعٍ وَاحِدَةٍ أَوْ بَعْضِ أُصْبُعٍ أَوْ بَطْنِ كَفِّهِ أَوْ أَمَرَ مَنْ يَمْسَحُ بِهِ أَجْزَأَهُ ذَلِكَ فَكَذَلِكَ إنْ مَسَحَ نَزْعَتَيْهِ أَوْ إحْدَاهُمَا أَوْ بَعْضَهُمَا أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ رَأْسِهِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ حَسَّانٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ وَابْنِ عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ عَمْرِو بْنِ وَهْبٍ الثَّقَفِيِّ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ بِنَاصِيَتِهِ وَعَلَى عِمَامَتِهِ وَخُفَّيْهِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا مُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ فَحَسِرَ الْعِمَامَةَ عَنْ رَأْسِهِ وَمَسَحَ مُقَدَّمَ رَأْسِهِ أَوْ قَالَ نَاصِيَتَهُ بِالْمَاءِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَحْيَى عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ بِنَاصِيَتِهِ أَوْ قَالَ مُقَدَّمَ رَأْسِهِ بِالْمَاءِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِذَا أَذِنَ اللَّهُ تَعَالَى بِمَسْحِ الرَّأْسِ فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعْتَمًّا فَحَسَرَ الْعِمَامَةَ‏.‏ فَقَدْ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْمَسْحَ عَلَى الرَّأْسِ دُونَهَا وَأُحِبُّ لَوْ مَسَحَ عَلَى الْعِمَامَةِ مَعَ الرَّأْسِ وَإِنْ تَرَكَ ذَلِكَ لَمْ يَضُرَّهُ وَإِنْ مَسَحَ عَلَى الْعِمَامَةِ دُونَ الرَّأْسِ لَمْ يُجْزِئْهُ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ لَوْ مَسَحَ عَلَى بُرْقُعٍ أَوْ قُفَّازَيْنِ دُونَ الْوَجْهِ وَالذِّرَاعَيْنِ لَمْ يُجْزِئْهُ ذَلِكَ وَلَوْ كَانَ ذَا جُمَّةٍ فَمَسَحَ مِنْ شَعْرِ الْجُمَّةِ مَا سَقَطَ عَنْ أُصُولِ مَنَابِتِ شَعْرِ الرَّأْسِ وَلَمْ يُجْزِئْهُ وَلاَ يُجْزِئُهُ إلَّا أَنْ يَمْسَحَ عَلَى الرَّأْسِ نَفْسِهِ أَوْ عَلَى الشَّعْرِ الَّذِي عَلَى نَفْسِ الرَّأْسِ لاَ السَّاقِطِ عَنْ الرَّأْسِ وَلَوْ جَمَعَ شَعْرَهُ فَعَقَدَهُ فِي وَسَطِ رَأْسِهِ فَمَسَحَ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ وَكَانَ الَّذِي يَمْسَحُ بِهِ الشَّعْرَ السَّاقِطَ عَنْ مَنَابِتِ شَعْرِ الرَّأْسِ لَمْ يُجْزِهِ وَإِنْ كَانَ مَسَحَ بِشَيْءٍ مِنْ الشَّعْرِ عَلَى مَنَابِتِ الرَّأْسِ بَعْدَمَا أُزِيلَ عَنْ مَنْبَتِهِ لَمْ يُجِزْهُ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ شَعْرٌ عَلَى غَيْرِ مَنْبَتِهِ فَهُوَ كَالْعِمَامَةِ وَلاَ يَجْزِي الْمَسْحُ عَلَى الشَّعْرِ حَتَّى يَمْسَحَ عَلَى الشَّعْرِ فِي مَوْضِعِ مَنَابِتِهِ فَتَقَعُ الطَّهَارَةُ عَلَيْهِ كَمَا تَقَعُ عَلَى الرَّأْسِ نَفْسِهِ وَالِاخْتِيَارُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْمَاءَ بِيَدَيْهِ فَيَمْسَحَ بِهِمَا رَأْسَهُ مَعًا يُقْبِلُ بِهِمَا وَيُدْبِرُ يَبْدَأُ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ ثُمَّ يَذْهَبَ بِهِمَا إلَى قَفَاهُ ثُمَّ يَرُدَّهُمَا حَتَّى يَرْجِعَ إلَى الْمَكَانِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ وَهَكَذَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ قُلْت لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ هَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُرِيَنِي كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ‏؟‏ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ‏:‏ نَعَمْ وَدَعَا بِوَضُوءٍ فَأَفْرَغَ عَلَى يَدَيْهِ فَغَسَلَ يَدَيْهِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ وَتَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ ثَلاَثًا ثَلاَثًا ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلاَثًا ثُمَّ غَسَلَ يَدَيْهِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ بِيَدَيْهِ وَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ بَدَأَ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ ثُمَّ ذَهَبَ بِهِمَا إلَى قَفَاهُ ثُمَّ رَدَّهُمَا إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَأُحِبُّ لَوْ مَسَحَ رَأْسَهُ ثَلاَثًا وَوَاحِدَةً تُجْزِئُهُ وَأُحِبُّ أَنْ يَمْسَحَ ظَاهِرَ أُذُنَيْهِ وَبَاطِنَهُمَا بِمَاءٍ غَيْرِ مَاءِ الرَّأْسِ وَيَأْخُذَ بِأُصْبُعَيْهِ الْمَاءَ لِأُذُنَيْهِ فَيُدْخِلَهُمَا فِيمَا ظَهَرَ مِنْ الْفُرْجَةِ الَّتِي تُفْضِي إلَى الصِّمَاخِ وَلَوْ تَرَكَ مَسْحَ الْأُذُنَيْنِ لَمْ يُعِدْ؛ لِأَنَّهُمَا لَوْ كَانَتَا مِنْ الْوَجْهِ غُسِلَتَا مَعَهُ أَوْ مِنْ الرَّأْسِ مُسِحَتَا مَعَهُ أَوْ وَحْدَهُمَا أَجْزَأَتَا مِنْهُ فَإِذَا لَمْ يَكُونَا هَكَذَا فَلَمْ يُذْكَرَا فِي الْفَرْضِ وَلَوْ كَانَتَا مِنْ الرَّأْسِ كَفَى مَاسِحَهُمَا أَنْ يَمْسَحَ بِالرَّأْسِ كَمَا يَكْفِي مِمَّا يَبْقَى مِنْ الرَّأْسِ‏.‏

باب غُسْلِ الرِّجْلَيْنِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَأَرْجُلَكُمْ إلَى الْكَعْبَيْنِ‏}‏‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَنَحْنُ نَقْرَؤُهَا وَأَرْجُلَكُمْ عَلَى مَعْنَى اغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلَمْ أَسْمَعْ مُخَالِفًا فِي أَنَّ الْكَعْبَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْوُضُوءِ الْكَعْبَانِ النَّاتِئَانِ وَهُمَا مَجْمَعُ مَفْصِلِ السَّاقِ وَالْقَدَمِ وَأَنَّ عَلَيْهِمَا الْغُسْلَ كَأَنَّهُ يَذْهَبُ فِيهِمَا إلَى اغْسِلُوا أَرْجُلَكُمْ حَتَّى تَغْسِلُوا الْكَعْبَيْنِ وَلاَ يُجْزِئُ الْمَرْءَ إلَّا غُسْلُ ظَاهِرِ قَدَمَيْهِ وَبَاطِنِهِ وَعُرْقُوبَيْهِمَا وَكَعْبَيْهِمَا حَتَّى يَسْتَوْظِفَ كُلَّ مَا أَشْرَفَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ عَنْ أَصْلِ السَّاقِ فَيَبْدَأُ فَيَنْصِبُ قَدَمَيْهِ ثُمَّ يَصُبُّ عَلَيْهِمَا الْمَاءَ بِيَمِينِهِ أَوْ يَصُبُّ عَلَيْهِ غَيْرُهُ وَيُخَلِّلُ أَصَابِعَهُمَا حَتَّى يَأْتِيَ الْمَاءُ عَلَى مَا بَيْنَ أَصَابِعِهِمَا وَلاَ يُجْزِئُهُ تَرْكُ تَخْلِيلِ الْأَصَابِعِ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الْمَاءَ قَدْ أَتَى عَلَى جَمِيعِ مَا بَيْنَ الْأَصَابِعِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو هَاشِمٍ إسْمَاعِيلُ بْنُ كَثِيرٍ عَنْ عَاصِمِ بْنِ لَقِيطِ بْنِ صُبْرَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كُنْت وَافِدَ بَنِي الْمُنْتَفِقِ أَوْ فِي وَفْدِ بَنِي الْمُنْتَفِقِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَيْنَاهُ فَلَمْ نُصَادِفْهُ وَصَادَفْنَا عَائِشَةَ رضي الله عنها فَأَتَتْنَا بِقِنَاعٍ فِيهِ تَمْرٌ وَالْقِنَاعُ الطَّبَقُ فَأَكَلْنَا وَأَمَرَتْ لَنَا بِحَرِيرَةٍ فَصُنِعَتْ فَأَكَلْنَا فَلَمْ نَلْبَثْ أَنْ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ هَلْ أَكَلْتُمْ شَيْئًا هَلْ أُمِرَ لَكُمْ بِشَيْءٍ‏؟‏ فَقُلْنَا‏:‏ نَعَمْ فَلَمْ نَلْبَثْ أَنْ دَفَعَ الرَّاعِي غَنَمَهُ فَإِذَا سَخْلَةٌ تَيْعَرُ قَالَ هِيهِ يَا فُلاَنُ مَا وَلَدَتْ قَالَ بَهْمَةً قَالَ فَاذْبَحْ لَنَا مَكَانَهَا شَاةً ثُمَّ انْحَرَفَ إلَيَّ وَقَالَ لِي لاَ تَحْسَبَنَّ وَلَمْ يَقُلْ لاَ تَحْسَبَنَّ أَنَّا مِنْ أَجْلِك ذَبَحْنَاهَا لَنَا غَنَمٌ مِائَةٌ لاَ نُرِيدُ أَنْ تَزِيدَ فَإِذَا وَلَدَ الرَّاعِي بَهْمَةً ذَبَحْنَا مَكَانَهَا شَاةً قُلْت‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ لِي امْرَأَةً فِي لِسَانِهَا شَيْءٌ يَعْنِي الْبَذَاءَ قَالَ طَلِّقْهَا إذًا قُلْت إنَّ لِي مِنْهَا وَلَدًا وَإِنَّ لَهَا صُحْبَةً قَالَ فَمُرْهَا يَقُولُ عِظْهَا فَإِنْ يَكُ فِيهَا خَيْرٌ فَسَتَعْقِلُ وَلاَ تَضْرِبَنَّ ظَعِينَتَك كَضَرْبِك أَمَتَك قُلْت‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِي عَنْ الْوُضُوءِ قَالَ‏:‏ «أَسْبِغْ الْوُضُوءَ وَخَلِّلْ بَيْنَ الْأَصَابِعِ وَبَالِغْ فِي الِاسْتِنْشَاقِ إلَّا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا»‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَإِنْ كَانَ فِي أَصَابِعِهِ شَيْءٌ خُلِقَ مُلْتَصِقًا غَلْغَلَ الْمَاءَ عَلَى عُضْوَيْهِ حَتَّى يَصِلَ الْمَاءُ إلَى مَا ظَهَرَ مِنْ جِلْدِهِ لاَ يَجْزِيهِ غَيْرُ ذَلِكَ وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَفْتُقَ مَا خُلِقَ مُرْتَتِقًا مِنْهُمَا‏.‏

باب مَقَامِ الْمُوَضِّئِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ وَإِذَا قَامَ رَجُلٌ يُوَضِّئُ رَجُلاً قَامَ عَنْ يَسَارِ الْمُتَوَضِّئِ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنُ لَهُ مِنْ الْمَاءِ وَأَحْسَنُ فِي الْأَدَبِ وَإِنْ قَامَ عَنْ يَمِينِهِ أَوْ حَيْثُ قَامَ إذَا صَبَّ عَلَيْهِ الْمَاءَ فَتَوَضَّأَ أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ إنَّمَا هُوَ فِي الْوُضُوءِ لاَ فِي مَقَامِ الْمُوَضِّئِ‏.‏

باب قَدْرِ الْمَاءِ الَّذِي يُتَوَضَّأُ بِهِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَانَتْ صَلاَةُ الْعَصْرِ فَالْتَمَسَ النَّاسُ الْوَضُوءَ فَلَمْ يَجِدُوهُ فَأَتَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِوَضُوءٍ فَوَضَعَ يَدَهُ فِي ذَلِكَ الْإِنَاءِ وَأَمَرَ النَّاسَ أَنْ يَتَوَضَّئُوا مِنْهُ قَالَ فَرَأَيْت الْمَاءَ يَنْبُعُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ فَتَوَضَّأَ النَّاسُ حَتَّى تَوَضَّئُوا مِنْ عِنْدِ آخِرِهِمْ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَعْنَى إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَغْتَسِلُ وَبَعْضُ نِسَائِهِ مِنْ إنَاءٍ وَاحِدٍ فَإِذَا تَوَضَّأَ النَّاسُ مَعًا فَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لاَ وَقْتَ فِيمَا يَطْهُرُ مِنْ الْمُتَوَضِّئِ مِنْ الْمَاءِ إلَّا الْإِتْيَانُ عَلَى مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ مِنْ غَسْلٍ وَمَسْحٍ وَكَذَلِكَ إذَا اغْتَسَلَ الِاثْنَانِ مَعًا فَإِذَا أَتَى الْمَرْءُ عَلَى مَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ مِنْ غَسْلٍ وَمَسْحٍ فَقَدْ أَدَّى مَا عَلَيْهِ قَلَّ الْمَاءُ أَوْ كَثُرَ وَقَدْ يُرْفِقُ بِالْمَاءِ الْقَلِيلِ فَيَكْفِي وَيَخْرِقُ بِالْكَثِيرِ فَلاَ يَكْفِي وَأَقَلُّ مَا يَكْفِي فِيمَا أُمِرَ بِغَسْلِهِ أَنْ يَأْخُذَ لَهُ الْمَاءَ ثُمَّ يُجْرِيَهُ عَلَى الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ فَإِنْ جَرَى الْمَاءُ بِنَفْسِهِ حَتَّى أَتَى عَلَى جَمِيعِ ذَلِكَ أَجْزَأَهُ وَإِنْ أَمَرَّ بِهِ عَلَى يَدِهِ وَكَانَ ذَلِكَ بِتَحْرِيكٍ لَهُ بِالْيَدَيْنِ كَانَ أَنْقَى وَكَانَ أَحَبَّ إلَيَّ وَإِنْ كَانَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ أَعْضَائِهِ مِشْقٌ، أَوْ غَيْرُهُ مِمَّا يَصْبُغُ الْجَسَدَ فَأَمَرَّ الْمَاءَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَذْهَبْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إعَادَةُ غَسْلِ الْعُضْوِ إذَا أَجْرَى الْمَاءَ عَلَيْهِ فَقَدْ جَاءَ بِأَقَلَّ مَا يَلْزَمُهُ وَأَحَبَّ إلَيَّ لَوْ غَسَلَهُ حَتَّى يَذْهَبَ كُلَّهُ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ عِلْكٌ أَوْ شَيْءٌ ثَخِينٌ فَيَمْنَعُ الْمَاءَ أَنْ يَصِلَ إلَى الْجِلْدِ لَمْ يُجْزِهِ وُضُوءُ ذَلِكَ الْعُضْوِ حَتَّى يُزِيلَ عَنْهُ ذَلِكَ أَوْ يُزِيلَ مِنْهُ مَا يَعْلَمُ أَنَّ الْمَاءَ قَدْ مَاسَّ مَعَهُ الْجِلْدَ كُلَّهُ لاَ حَائِلَ دُونَهُ فَأَمَّا الرَّأْسُ فَيَأْخُذُ مِنْ الْمَاءِ بِمَا شَاءَ مِنْ يَدِهِ ثُمَّ يَمْسَحُ بِرَأْسِهِ إذَا وَصَلَ إلَيْهِ أَوْ شَعْرَهُ الَّذِي عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ أَيْضًا دُونَ مَا يَمْسَحُ مِنْ شَعْرِهِ حَائِلٌ لَمْ يُجْزِهِ وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ دُونَ الرَّأْسِ حَائِلٌ وَلاَ شَعْرَ عَلَيْهِ لَمْ يُجْزِهِ حَتَّى يُزِيلَ الْحَائِلَ فَيُبَاشِرَ بِالْمَسْحِ رَأْسَهُ أَوْ شَعْرَهُ وَإِنْ انْغَمَسَ فِي مَاءٍ جَارٍ أَوْ نَاقِعٍ لاَ يَنْجُسُ- انْغِمَاسَةً تَأْتِي عَلَى جَمِيعِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ يَنْوِي الطَّهَارَةَ بِهَا أَجْزَأَهُ وَكَذَلِكَ إنْ جَلَسَ تَحْتَ مَصَبِّ مَاءٍ أَوْ سِرْبٍ لِلْمَطَرِ أَوْ مَطَرٍ يَنْوِي بِهِ الطَّهَارَةَ فَيَأْتِي الْمَاءُ عَلَى جَمِيعِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ حَتَّى لاَ يَبْقَى مِنْهَا شَيْءٌ أَجْزَأَهُ‏.‏

وَلاَ يُجْزِئُ الْوُضُوءُ إلَّا بِنِيَّةٍ وَيَكْفِيهِ مِنْ النِّيَّةِ فِيهِ أَنْ يَتَوَضَّأَ يَنْوِي طَهَارَةً مِنْ حَدَثٍ أَوْ طَهَارَةً لِصَلاَةِ فَرِيضَةٍ أَوْ نَافِلَةٍ أَوْ لِقِرَاءَةِ مُصْحَفٍ أَوْ صَلاَةٍ عَلَى جِنَازَةٍ أَوْ مِمَّا أَشْبَهَ هَذَا مِمَّا لاَ يَفْعَلُهُ إلَّا طَاهِرٌ‏.‏

قَالَ وَلَوْ وَضَّأَ بَعْضَ أَعْضَائِهِ بِلاَ نِيَّةٍ ثُمَّ نَوَى فِي الْبَاقِي لَمْ يُجْزِهِ إلَّا أَنْ يَعُودَ لِلَّذِي وَضَّأَ بِلاَ نِيَّةٍ فَيُحْدِثَ لَهُ نِيَّةً يُجْزِئُهُ بِهَا الْوُضُوءُ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ وَيَغْسِلُ مَا بَعْدَهُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ وَيَغْسِلُ مَا بَعْدَهُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِذَا قَدَّمَ النِّيَّةَ مَعَ أَخْذِهِ فِي الْوُضُوءِ أَجْزَأَهُ الْوُضُوءُ فَإِنْ قَدَّمَهَا قَبْلُ ثُمَّ عَزَبَتْ عَنْهُ لَمْ يُجْزِهِ وَإِذَا تَوَضَّأَ وَهُوَ يَنْوِي الطَّهَارَةَ ثُمَّ عَزَبَتْ عَنْهُ النِّيَّةُ أَجْزَأَتْهُ نِيَّةٌ وَاحِدَةٌ فَيَسْتَبِيحُ بِهَا الْوُضُوءَ مَا لَمْ يُحْدِثْ نِيَّةَ أَنْ يَتَبَرَّدَ بِالْمَاءِ أَوْ يَتَنَظَّفَ بِالْمَاءِ لاَ يَتَطَهَّرَ بِهِ وَإِذَا وَضَّأَ وَجْهَهُ يَنْوِي الطَّهَارَةَ ثُمَّ نَوَى بِغُسْلِ يَدَيْهِ وَمَا بَقِيَ مِنْ جَسَدِهِ التَّنْظِيفَ أَوْ التَّبْرِيدَ لاَ الطَّهَارَةَ لَمْ يُجْزِهِ الْوُضُوءُ حَتَّى يَعُودَ لِغَسْلِ أَعْضَائِهِ الَّتِي أَحْدَثَ فِيهَا غَيْرَ نِيَّةِ الطَّهَارَةِ فَإِذَا وَضَّأَ نَفْسَهُ أَوْ وَضَّأَ غَيْرَهُ فَسَوَاءٌ‏.‏

وَيَأْخُذُ لِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ مَاءً غَيْرَ الْمَاءِ الَّذِي أَخَذَ لِلْآخَرِ وَلَوْ مَسَحَ رَأْسَهُ بِفَضْلِ بَلَلِ وُضُوءِ يَدَيْهِ أَوْ مَسَحَ رَأْسَهُ بِبَلَلِ لِحْيَتِهِ لَمْ يُجْزِهِ وَلاَ يُجْزِئُهُ إلَّا مَاءٌ جَدِيدٌ‏.‏

قَالَ الرَّبِيعُ وَلَوْ غَسَلَ وَجْهَهُ بِلاَ نِيَّةِ طَهَارَةٍ لِلصَّلاَةِ ثُمَّ غَسَلَ يَدَيْهِ بَعْدُ وَمَسَحَ رَأْسَهُ وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ يَنْوِي الطَّهَارَةَ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ غَسْلَ الْوَجْهِ يَنْوِي بِهِ الطَّهَارَةَ وَغَسَلَ مَا بَعْدَ ذَلِكَ مِمَّا غَسَلَ لاَ يَنْوِي بِهِ الطَّهَارَةَ حَتَّى يَأْتِيَ الْوُضُوءُ عَلَى مَا ذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ شَيْءٍ قَبْلَ شَيْءٍ وَإِنْ كَانَ غَسَلَ وَجْهَهُ يَنْوِي الطَّهَارَةَ وَيَدَيْهِ وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ لاَ يَنْوِي الطَّهَارَةَ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَغْسِلَ الرِّجْلَيْنِ فَقَطْ الَّذِي لَمْ يَنْوِ بِهِمَا طَهَارَةً‏.‏

وَلَوْ تَوَضَّأَ بِمَاءٍ غَمَسَ فِيهِ ثَوْبًا لَيْسَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ وَالْمَاءُ بِحَالِهِ لَمْ يَخْلِطْهُ شَيْءٌ يَصِيرُ إلَيْهِ مُسْتَهْلِكًا فِيهِ أَجْزَأَهُ الْوُضُوءُ بِهِ‏.‏

وَلَوْ تَوَضَّأَ بِفَضْلِ غَيْرِهِ أَجْزَأَهُ وَلَوْ تَوَضَّأَ بِمَاءٍ تَوَضَّأَ بِهِ رَجُلٌ لاَ نَجَاسَةَ عَلَى أَعْضَائِهِ لَمْ يُجْزِهِ؛ لِأَنَّهُ مَاءٌ قَدْ تُوَضِّئ بِهِ وَكَذَلِكَ لَوْ تَوَضَّأَ بِمَاءٍ قَدْ اغْتَسَلَ فِيهِ رَجُلٌ وَالْمَاءُ أَقَلُّ مِنْ قُلَّتَيْنِ لَمْ يُجْزِهِ وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ خَمْسَ قِرَبٍ أَوْ أَكْثَرَ فَانْغَمَسَ فِيهِ رَجُلٌ لاَ نَجَاسَةَ عَلَيْهِ فَتَوَضَّأَ بِهِ أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّ هَذَا لاَ يُفْسِدُهُ، وَإِنَّمَا قُلْت لاَ يَتَوَضَّأُ رَجُلٌ بِمَاءٍ قَدْ تَوَضَّأَ بِهِ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ‏:‏ ‏{‏فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ‏}‏ فَكَانَ مَعْقُولاً أَنَّ الْوَجْهَ لاَ يَكُونُ مَغْسُولاً إلَّا بِأَنْ يُبْتَدَأَ لَهُ مَاءٌ فَيُغْسَلَ بِهِ ثُمَّ عَلَيْهِ فِي الْيَدَيْنِ عِنْدِي مِثْلُ مَا عَلَيْهِ فِي الْوَجْهِ مِنْ أَنْ يَبْتَدِئَ لَهُ مَاءً فَيَغْسِلَهُ بِهِ وَلَوْ أَعَادَ عَلَيْهِ الْمَاءَ الَّذِي غَسَلَ بِهِ الْوَجْهَ كَأَنْ لَمْ يُسَوِّ بَيْنَ يَدَيْهِ وَوَجْهِهِ وَلاَ يَكُونُ مُسَوِّيًا بَيْنَهُمَا حَتَّى يَبْتَدِئَ لَهُمَا الْمَاءَ كَمَا ابْتَدَأَ لِوَجْهِهِ وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ لِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ مَاءً جَدِيدًا‏.‏

وَلَوْ أَصَابَ هَذَا الْمَاءُ الَّذِي تَوَضَّأَ بِهِ مِنْ غَيْرِ نَجَاسَةٍ عَلَى الْبَدَنِ ثَوْبَ الَّذِي تَوَضَّأَ بِهِ أَوْ غَيْرَهُ أَوْ صُبَّ عَلَى الْأَرْضِ لَمْ يَغْسِلْ مِنْهُ الثَّوْبَ وَصَلَّى عَلَى الْأَرْضِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِنَجَسٍ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَمِنْ أَيْنَ لَمْ يَكُنْ نَجِسًا‏؟‏ قِيلَ مِنْ قِبَلِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ وَلاَ شَكَّ أَنَّ مِنْ الْوُضُوءِ مَا يُصِيبُ ثِيَابَهُ وَلَمْ نَعْلَمْهُ غَسَلَ ثِيَابَهُ مِنْهُ وَلاَ أَبْدَلَهَا وَلاَ عَلِمْت فَعَلَ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَكَانَ مَعْقُولاً إذَا لَمْ يُمَاسَّ الْمَاءَ نَجَاسَةٌ لاَ يَنْجُسُ فَإِنْ قِيلَ فَلِمَ لاَ يَتَوَضَّأُ بِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ نَجِسًا قِيلَ‏:‏ لِمَا وَصَفْنَا وَإِنَّ عَلَى النَّاسِ تَعَبُّدًا فِي أَنْفُسِهِمْ بِالطَّهَارَةِ مِنْ غَيْرِ نَجَاسَةٍ تُمَاسَّ أَبْدَانَهُمْ وَلَيْسَ عَلَى ثَوْبٍ وَلاَ عَلَى أَرْضٍ تَعَبُّدٌ وَلاَ أَنْ يُمَاسَّهُ مَاءٌ مِنْ غَيْرِ نَجَاسَةٍ‏.‏

باب تَقْدِيمِ الْوُضُوءِ وَمُتَابَعَتِهِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إلَى الْكَعْبَيْنِ‏}‏‏.‏

قال‏:‏ وَتَوَضَّأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَبَدَأَ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ قَالَ فَأَشْبَهَ- وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ- أَنْ يَكُونَ عَلَى الْمُتَوَضِّئِ فِي الْوُضُوءِ شَيْئَانِ أَنْ يَبْدَأَ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ ثُمَّ رَسُولُهُ عليه الصلاة والسلام بِهِ مِنْهُ وَيَأْتِي عَلَى إكْمَالِ مَا أُمِرَ بِهِ فَمَنْ بَدَأَ بِيَدِهِ قَبْلَ وَجْهِهِ أَوْ رَأْسِهِ قَبْلَ يَدَيْهِ أَوْ رِجْلَيْهِ قَبْلَ رَأْسِهِ كَانَ عَلَيْهِ عِنْدِي أَنْ يُعِيدَ حَتَّى يَغْسِلَ كُلًّا فِي مَوْضِعِهِ بَعْدَ الَّذِي قَبْلَهُ وَقَبْلَ الَّذِي بَعْدَهُ لاَ يَجْزِيهِ عِنْدِي غَيْرُ ذَلِكَ وَإِنْ صَلَّى أَعَادَ الصَّلاَةَ بَعْدَ أَنْ يُعِيدَ الْوُضُوءَ وَمَسْحَ الرَّأْسِ وَغَيْرُهُ فِي هَذَا سَوَاءٌ‏.‏

فَإِذَا نَسِيَ مَسْحَ رَأْسِهِ حَتَّى غَسَلَ رِجْلَيْهِ عَادَ فَمَسَحَ رَأْسَهُ ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ بَعْدَهُ وَإِنَّمَا قُلْت يُعِيدُ كَمَا قُلْت وَقَالَ غَيْرِي فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏إنَّ الصَّفَّا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ‏}‏ فَبَدَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالصَّفَا وَقَالَ نَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ وَلَمْ أَعْلَمْ خِلاَفًا أَنَّهُ لَوْ بَدَأَ بِالْمَرْوَةِ أَلْغَى طَوَافًا حَتَّى يَكُونَ بَدْؤُهُ بِالصَّفَا وَكَمَا قُلْنَا فِي الْجِمَارِ إنْ بَدَأَ بِالْآخِرَةِ قَبْلَ الْأُولَى أَعَادَ حَتَّى تَكُونَ بَعْدَهَا وَإِنْ بَدَأَ بِالطَّوَافِ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ قَبْلَ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ أَعَادَ فَكَانَ الْوُضُوءُ فِي هَذَا الْمَعْنَى أَوْكَدَ مِنْ بَعْضِهِ عِنْدِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏

قَالَ وَذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ مَعًا فَأُحِبُّ أَنْ يَبْدَأَ بِالْيُمْنَى قَبْلَ الْيُسْرَى وَإِنْ بَدَأَ بِالْيُسْرَى قَبْلَ الْيُمْنَى فَقَدْ أَسَاءَ وَلاَ إعَادَةَ عَلَيْهِ وَأُحِبُّ أَنْ يُتَابِعَ الْوُضُوءَ وَلاَ يُفَرِّقَهُ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَ بِهِ مُتَتَابِعًا؛ وَلِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ جَاءُوا بِالطَّوَافِ وَرَمْيِ الْجِمَارِ وَمَا أَشْبَهَهُمَا مِنْ الْأَعْمَالِ مُتَتَابِعَةً، وَلاَ حَدَّ لِلتَّتَابُعِ إلَّا مَا يَعْلَمُهُ النَّاسُ مِنْ أَنْ يَأْخُذَ الرَّجُلُ فِيهِ ثُمَّ لاَ يَكُونُ قَاطِعًا لَهُ حَتَّى يُكْمِلَهُ إلَّا مِنْ عُذْرٍ وَالْعُذْرُ أَنْ يَفْزَعَ فِي مَوْضِعِهِ الَّذِي تَوَضَّأَ فِيهِ مِنْ سَيْلٍ أَوْ هَدْمٍ أَوْ حَرِيقٍ أَوْ غَيْرِهِ فَيَتَحَوَّلَ إلَى غَيْرِهِ فَيَمْضِيَ فِيهِ عَلَى وُضُوئِهِ أَوْ يَقِلُّ بِهِ الْمَاءُ فَيَأْخُذُ الْمَاءَ ثُمَّ يَمْضِي عَلَى وُضُوئِهِ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا وَإِنْ جَفَّ وُضُوءُهُ- كَمَا يَعْرِضُ لَهُ فِي الصَّلاَةِ الرُّعَافُ وَغَيْرُهُ- فَيَخْرُجُ ثُمَّ يَبْنِي وَكَمَا يَقْطَعُ بِهِ الطَّوَافَ لِصَلاَةٍ أَوْ رُعَافٍ أَوْ انْتِقَاضِ وُضُوءٍ فَيَنْصَرِفُ ثُمَّ يَبْنِي‏.‏

قَالَ الرَّبِيعُ ثُمَّ رَجَعَ الشَّافِعِيُّ عَنْ هَذَا بَعْدُ وَقَالَ عَلَيْهِ أَنْ يَبْتَدِئَ الصَّلاَةَ إذَا خَرَجَ مِنْ رُعَافٍ‏.‏ وَ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ إنَّهُ إذَا انْصَرَفَ مِنْ رُعَافٍ أَوْ غَيْرِهِ قَبْلَ أَنْ يُتِمَّ صَلاَتَهُ أَنَّهُ يَبْتَدِئُ الصَّلاَةَ‏.‏

قَالَ الرَّبِيعُ رَجَعَ الشَّافِعِيُّ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَقَالَ إذَا حَوَّلَ وَجْهَهُ عَنْ تَمَامِ الصَّلاَةِ عَامِدًا أَعَادَ الصَّلاَةَ إذَا خَرَجَ مِنْ رُعَافٍ وَغَيْرِهِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِنْ تَحَوَّلَ مِنْ مَوْضِعٍ قَدْ وَضَّأَ بَعْضَ أَعْضَائِهِ فِيهِ إلَى مَوْضِعٍ غَيْرِهِ لِنَظَافَتِهِ أَوْ لِسَعَتِهِ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مَضَى عَلَى وُضُوءِ مَا بَقِيَ مِنْهُ وَكَذَلِكَ لَوْ تَحَوَّلَ لِاخْتِيَارِهِ لاَ لِضَرُورَةٍ كَانَتْ بِهِ فِي مَوْضِعِهِ الَّذِي كَانَ فِيهِ وَإِنْ قَطَعَ الْوُضُوءَ فِيهِ فَذَهَبَ لِحَاجَةٍ أَوْ أَخَذَ فِي غَيْرِ عَمَلِ الْوُضُوءِ حَتَّى تَطَاوَلَ ذَلِكَ بِهِ جَفَّ الْوُضُوءُ أَوْ لَمْ يَجِفَّ فَأَحَبُّ إلَيَّ لَوْ اسْتَأْنَفَ وُضُوءًا وَلاَ يَبِينُ لِي أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ اسْتِئْنَافُ وُضُوءٍ وَإِنْ طَالَ تَرْكُهُ لَهُ مَا لَمْ يُحْدِثْ بَيْنَ ظَهَرَانِي وُضُوئِهِ فَيَنْتَقِضُ مَا مَضَى مِنْ وُضُوئِهِ؛ وَلِأَنِّي لاَ أَجِدُ فِي مُتَابَعَتِهِ الْوُضُوءَ مَا أَجِدُ فِي تَقْدِيمِ بَعْضِهِ عَلَى بَعْضٍ وَأَصْلُ مَذْهَبِنَا أَنَّهُ يَأْتِي بِالْغُسْلِ كَيْفَ شَاءَ وَلَوْ قَطَعَهُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ‏:‏ ‏{‏حَتَّى تَغْتَسِلُوا‏}‏ فَهَذَا مُغْتَسِلٌ وَإِنْ قَطَعَ الْغُسْلَ وَلاَ أَحْسَبُهُ يَجُوزُ إذَا قَطَعَ الْوُضُوءَ إلَّا مِثْلَ هَذَا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ تَوَضَّأَ بِالسُّوقِ فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ ثُمَّ دُعِيَ لِجِنَازَةٍ فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ لِيُصَلِّيَ عَلَيْهَا فَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ ثُمَّ صَلَّى عَلَيْهَا‏.‏

قال‏:‏ وَهَذَا غَيْرُ مُتَابَعَةٍ لِلْوُضُوءِ وَلَعَلَّهُ قَدْ جَفَّ وُضُوءُهُ وَقَدْ يَجِفُّ فِيمَا أَقَلَّ مِمَّا بَيْنَ السُّوقِ وَالْمَسْجِدِ وَأَجِدُهُ حِينَ تَرَكَ مَوْضِعَ وُضُوئِهِ وَصَارَ إلَى الْمَسْجِدِ آخِذًا فِي عَمَلٍ غَيْرِ الْوُضُوءِ وَقَاطِعًا لَهُ‏.‏

قال‏:‏ وَفِي مَذْهَبِ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا رَمَى الْجَمْرَةَ الْأُولَى ثُمَّ الْآخِرَةَ ثُمَّ الْوُسْطَى أَعَادَ الْوُسْطَى وَالْآخِرَةَ حَتَّى يَكُونَا فِي مَوْضِعِهِمَا وَلَمْ يُعِدْ الْأُولَى وَهُوَ دَلِيلٌ فِي قَوْلِهِمْ عَلَى أَنَّ تَقْطِيعَ الْوُضُوءِ لاَ يَمْنَعُهُ أَنْ يَجْزِيَ عَنْهُ كَمَا قَطَعَ الَّذِي رَمَى الْجَمْرَةَ الْأُولَى رَمْيَهَا إلَى الْآخِرَةِ فَلَمْ يَمْنَعْهُ أَنْ تَجْزِيَ عَنْهُ الْوُسْطَى‏.‏

باب التَّسْمِيَةِ عَلَى الْوُضُوءِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَأُحِبُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يُسَمِّيَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فِي ابْتِدَاءِ وُضُوئِهِ فَإِنْ سَهَا سَمَّى مَتَى ذَكَرَ وَإِنْ كَانَ قَبْلَ أَنْ يُكْمِلَ الْوُضُوءَ وَإِنْ تَرَكَ التَّسْمِيَةَ نَاسِيًا أَوْ عَامِدًا لَمْ يَفْسُدْ وُضُوءُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى‏.‏

باب عَدَدِ الْوُضُوءِ وَالْحَدِّ فِيهِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ تَوَضَّأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ فَاسْتَنْشَقَ وَتَمَضْمَضَ مَرَّةً وَاحِدَةً ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فَصَبَّ عَلَى وَجْهِهِ مَرَّةً وَصَبَّ عَلَى يَدَيْهِ مَرَّةً وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ وَأُذُنَيْهِ مَرَّةً وَاحِدَةً‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ حُمْرَانَ مَوْلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ أَنَّهُ تَوَضَّأَ بِالْمَقَاعِدِ ثَلاَثًا ثَلاَثًا ثُمَّ قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ‏:‏ «مَنْ تَوَضَّأَ وُضُوئِي هَذَا خَرَجَتْ خَطَايَاهُ مِنْ وَجْهِهِ وَيَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ»‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلَيْسَ هَذَا اخْتِلاَفًا وَلَكِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا تَوَضَّأَ ثَلاَثًا وَتَوَضَّأَ مَرَّةً فَالْكَمَالُ وَالِاخْتِيَارُ ثَلاَثٌ وَوَاحِدَةٌ تُجْزِئُ فَأُحِبُّ لِلْمَرْءِ أَنْ يُوَضِّئَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ ثَلاَثًا ثَلاَثًا وَيَمْسَحَ بِرَأْسِهِ ثَلاَثًا وَيَعُمَّ بِالْمَسْحِ رَأْسَهُ فَإِنْ اقْتَصَرَ فِي غَسْلِ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ عَلَى وَاحِدَةٍ تَأْتِي عَلَى جَمِيعِ ذَلِكَ أَجْزَأَهُ وَإِنْ اقْتَصَرَ فِي الرَّأْسِ عَلَى مَسْحَةٍ وَاحِدَةٍ بِمَا شَاءَ مِنْ يَدَيْهِ أَجْزَأَهُ ذَلِكَ، وَذَلِكَ أَقَلُّ مَا يَلْزَمُهُ وَإِنْ وَضَّأَ بَعْضَ أَعْضَائِهِ مَرَّةً وَبَعْضَهَا اثْنَيْنِ وَبَعْضَهَا ثَلاَثًا أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّ وَاحِدَةً إذَا أَجْزَأَتْ فِي الْكُلِّ أَجْزَأَتْ فِي الْبَعْضِ مِنْهُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ فَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلاَثًا وَيَدَيْهِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ وَمَسَحَ رَأْسَهُ بِيَدَيْهِ فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ بَدَأَ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ ثُمَّ ذَهَبَ بِهِمَا إلَى قَفَاهُ ثُمَّ رَدَّهُمَا إلَى الْمَكَانِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ‏.‏

قال‏:‏ وَلاَ أُحِبُّ لِلْمُتَوَضِّئِ أَنْ يَزِيدَ عَلَى ثَلاَثٍ وَإِنْ زَادَ لَمْ أَكْرَهْهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِذَا وَضَّأَ الرَّجُلُ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ ثُمَّ أَحْدَثَ اسْتَأْنَفَ الْوُضُوءَ‏.‏